أيهما أفضل لتحفيز الموظفين.. المكافأة أو العقاب ؟
«الألم والمتعة يحكمان البشر في كل ما يقولونه ويفعلونه ويفكرون به».. مقولة لعالم القانون والفيلسوف والمصلح القانوني والإجتماعي جيريمي بنثام.
علم الأعصاب المعاصر يدعم هذه المقولة بشكل كلي، فالجهاز الحوفي في الدماغ، والذي هو المسؤول عن المشاعر والتحفيز يؤثر على الأجزاء الأخرى .. وعليه فهو يؤثر على ما نحن عليه كبشر وعلى قدراتنا على التعلم وعلى مصادقة الآخرين و على إتخاذ القرارات.
ليس من المستغرب حين يحاول أي شخص تحفيز الآخرين أن يقوم باللجوء الى مبدأ تحفيز مراكز المتعة من خلال الوعد بالمكافأة كعلاوة أو ترقية أو تقييم إيجابي أو إعتراف علني بالإنجازات. في المقابل البعض قد يلجأ الى النقيض كلياً من خلال التحذير من ألم قادم بسبب عقاب من نوع ما، كإنزال رتبة، تقييم سلبي أو حتى الإهانة العلنية.
ولكن ما هو غير واضح أي منهما ينفع أكثر من غيره.. الوعد بالجزرة أم التهديد بالعصا؟ ومتى يجب إعتماد أي واحدة منهما؟
قواعد تحفيز الموظفين: كيف تقيم كل موظف ومتى تسمح بالمكافأة ومتى تعاقب؟
نتائج متناقضة للدراسات
أجرى مستشفى نيويورك تجربة من أجل زيادة معدل قيام بالعاملين فيها بغسل أيديهم وذلك للحد من معدل إنتشار الأمراض. فتعقيم اليدين هام للغاية في المستشفيات للحد من إنتشار المرض، وقد تم إعلامهم بذلك مرة تلو الاخرى كما تم إيضاح العواقب المترتبة عن عدم قيامهم بذلك.
تم تركيب الكاميرات لمعرفة ما إن كانت تلك المقاربة قد نجحت وتبين بأن ١٠٪ فقط إلتزموا بالغسل والتعقيم رغم أنهم كانوا يدركون بأنه يتم مراقبتهم.
حينها قررت المستشفى إعتماد مقاربة أخرى وقامت بتركيب لوحة بجانب أماكن تعقيم اليدين تظهر عليها رسالة «عمل ممتاز» في كل مرة يقوم بها أحدهم بتعقيم يديه كما أنه كان يتم تسجيل معدل الغسل الذي كان يرتفع مع كل شخص يقوم بما هو مطلوب منه. خلال ٤ أسابيع وصلت نسبة الذي يقومون بغسل وتعقيم أيديهم الى ٩٠٪.
في المقابل وفي دراسة أجراها عالم إقتصاد في جامعة شيكاغو تبين بأن البشر وحين يتم تهديدهم بالخسارة فهم يقومون بعمل أفضل. في دراسته قام العالم بتهديد تلامذته الذين لا يحصلون على علامات جيدة في إمتحاناتهم بأنهم سيخسرون كل العلامات الإضافية التي حصلوا عليها خلال الفصل الدراسي.. والنتيجة كانت أنهم حققوا المطلوب منهم.
ولكن في حال كنا سنتحدث عن عدد الدراسات التي تدعم نظرية المكافأة أو نظرة العقاب فإن الكفة تميل من دون شك لصالح المكافأة.
متى يجب اللجوء للمكافأة والعقاب؟
نظام المكافأة هو مقاربة إيجابية تمنح الشخص تقييماً إيجابياً.. والتقييم الإيجابي يحفز مركز المكافأة في الدماغ وبالتالي يعزز ويقوي الفعل الذي تسبب به ما يجعل الشخص يقوم بتكراره في المستقبل.
وفق علم الأعصاب فإن كان الهدف تحفيز القيام بعمل منتج على سبيل المثالي العمل لساعات إضافية فإن المكافأة هي أفضل بأشواط من العقاب.
والعكس صحيح، فإن كان الهدف هو منع الاخرين من القيام بعمل ما على سبيل المثال منع الموظفين من نشر معلومات هامة عن الشركة أو إستخدام موارد معنية فإن التهديد بالعقاب هو أكثر نفعاً.
المكافأة والعقاب والعقل
لحصد المكافأة في الحياة على البشر عادة التصرف وعليه فإن الدماغ قد طور مقاربة تتناسب مع البيئة المحيطة التي تجعلنا نقدم أفضل ما لدينا من أجل الحصول على المكافأة لانه حين نتوقع ما هو أيجابي فإن عقلنا يرسل إشارة للتنفيذ. هذه الإشارة يتم تحفيزها من خلال خلايا الدوبامين العصبية والتي هي موجودة في أجراء في منتصف الدماغ والتي تتحرك الى القشرة الحركية التي تتحكم بأفعالنا.
في المقابل لتجنب الأمور السيئة فإننا عادة نحاول أن نبتعد عن مصدر الخطر قدر الإمكان. لذلك فأن عقولنا تتأقلم مع البيئة السلبية تلك كي لا نشعر بالأذى، حينها يصدر العقل إشارة «عدم التنفيذ» والتي تصدر من مناطق في منتصف العقل وتتحرك بإتجاه القشرة الحركية وخلافاً لإشارة التنفيذ فإن هذه الإشارة تدخلنا في مرحلة الثبات بشكل كلي. أي لا تصرف ولا عمل ولا جهود إضافية.
إستخدام المكافأة وفق الأهداف
بالإضافة الى الإشارات العقلية فإن المكافأة تنفع بشكل أكبر لأنها مرتبطة أيضاً بالتحفيز الإجتماعية. البشر مبرمجون بيولوجياً على القيام بعمل أفضل حين يتوقعون المكافأة. في إحدى التجارب تبين بأن الذين تم وعدهم بالحصول على دولار( توقع المكافأة) كانوا الأكثر سرعة بالضغط على الزر من أولئك الذي كان عليهم تفادي خسارة دولار (توقع العقاب). ولكنهم في المقابل قاموا بعمل أفضل حين طلب منهم عدم الضغط على الزر( عدم القيام بعمل) لتفادي خسارة دولار. وهذا يعني أنه لم يكن هناك تهديد بعقاب هنا، بل مجرد الطلب بعدم القيام بعمل ما لتفادي الخسارة.
ترجمة مبدأ المكافأة والعقاب في مكان العمل يتطلب بعض الحذر.. ولكن وبشكل عام خلق التوقعات الإيجابية تحفز الموظفين على القيام بعمل أفضل أما تهديد الفئة التي لا تقوم بعمل جيد بعقوبات فلن يؤدي الى أي تحسن. الخوف والتوتر والقلق تؤدي الى الإنسحاب والتراجع ولا تشكل حافزاً للقيام بعمل أفضل.
ولكن وبغض النظر عما تعتمده الشركة، سواء المكافأة أو العقاب فإن كل واحدة منهما يجب أن تكون مفصلة على مقاس العمل. فإن قام احدهم بعمل جيد فإن المكافأة تكون على قدر العمل الذي قام به، وفي حال فشل في تحقيق المطلوب منه فالعقاب يكون على قدر المهمة التي فشل بالقيام بها.