كيف يفسر العلم وهم الرؤية المسبقة «ديجافو» ؟
تكاد تجزم بأن الموقف الذي تختبره الآن قمت بإختباره مسبقاً وبأن كل حصل فيه وبالتسلسل نفسه حدث في مرحلة ما لا تذكرها.
وكأنها ومضات مؤقتة وسريعة من الماضي ترتبط بحدث آني.. وهكذا تشعر بأنك تعيش مواقف عشتها من قبل.الظاهرة هذه عالمية، والكل إختبرها في مرحلة ما من حياته لمرة واحدة على الأقل.
ما هو وهم الرؤية المسبقة «ديجافو»؟
ديجافو كلمة فرنسية تعني «قد حدث من قبل» أطلقها أميل بويرك على وهم الرؤية المسبقة في كتابه «مستقبل علم النفس». تعرف بأنها شعور الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحالي من قبل، ويختبر خلال تلك اللحظات مشاعر تجعله يظن بأنه يعرف ما الذي سيحصل .
تفسير فرويد
وفق سيغموند فرويد فإن هذه الظاهرة تحدث عندما يتم تذكر الشخص بشكل لاتلقائي بتخيل ما أو تصور ما مزروع في اللاوعي. وبما أنه في اللاوعي فان محتوى هذه التصورات أو التخيلات يكون محجوباً عن الوعي، ولكن بعض المشاعر المألوفة تتسرب من اللاوعي الى الوعي ما ينتج عنها تجربة الديجافو.
التفسيرات العلمية
الدماغ ومعالجة المعلومات
هيرمان سنو، عالم أمضى سنوات طويلة وهو يحاول فهم ألغاز هذه الظاهرة، خلص في دراسة أجريت مؤخراً بأن الأمر قد يرتبط بآلية معالجة الدماغ للمعلومات. وفق النظرية التي طرحها سنو فإن عقول البشر تخزن الصور بنفس الطريقة التي تخزن فيها الصور الثلاثية الأبعاد. فمن أجل تخزين الصور الثلاثية الأبعاد على كل جزء منها أن يحتوي على المعلومات الكاملة الخاصة بهذه الجزئية كي يتم ظهور الصورة بشكل واضح ولكن كلما قام الشخص بإستخدام الأجزاء الصغيرة كلما ظهرت بشكل غير واضح.
الأمر نفسه بالنسبة للعقل، كل صورة يجب أن تتضمن معلومات تكفي كي يتعرف العقل ويظهرها بشكل واضح. الديجافو يحدث عندما يتطابق الموقف الحالي مع صورة «ضبابية» مبهمة مخزنة في عقلنا من تجارب ماضية أي أنه أشبه بمحاولة إقناع النفس بأنه يمكن التعرف على الشخص الذي يظهر في الصورة رغم أنها ضبابية ومعالم وجه الشخص غير واضحة.
تطابق النماذج في الذاكرة
هناك ما يسمى تطابق عالمي لنماذج الذاكرة.. وفق هذه النظرية فإن الموقف الحالي قد يبدو مألوفاً لسببين، الأول هو التشابه الكبير مع حدث واحد سبق له وأن حدث في الماضي، أما الثاني فهو تشابه مع مجموعة من الأحداث المحفوظة في الذاكرة. على سبيل المثال لو إفترضنا أنك رأيت مجموعة من الصور لأفراد عائلة ما، ثم وبعد فترة إلتقيت بفرد من أفراد هذه العائلة والذي لم تكن صورته من ضمن الصور التي عرضت عليك والذي لا يشبه أفراد عائلته كثيراً. أول فكرة ستخطر لك هي «أظن أنني أعرف هذا الشخص» والسبب هو أنه رغم عدم تشابه ملامحه مع ملامح أفراد عائلته ورغم أنك لم ترى صورته ولكن العقل يتعامل مع «الشبه الى حد ما».. وهذا الشبه يتراكم ما يجعلك تشعر بأنك تعرفه.
وفق علم الأعصاب
علم الأعصاب حاول أيضاً تفسير الديجافو من خلال تقسيمها الى جزئين هما علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب. العلماء ميزوا بين نوعين من الذكريات تلك التي تقوم على التذكر الواعي أو الإدراكي وتلك التي تقوم على مبدأ ما هو مألوف.مثلاً الغالبية يمكنها تذكر حدث ما في حياتها بشكل دقيق وبالتالي عيش اللحظة مجدداً.ولكن في المقابل هناك الشعور بأننا نعرف أحدهم من مكان ما ولكن لا يمكننا تذكر الحيثيات المرتبطة به.. أي أنه يبدو مألوفاً ولكننا لا نعرف في أي إطار نضعه.
السبب وفق العلماء يرتبط بنظام الذاكرة الذي يتضمن القشرة الجبهية وقرن آمون المرتبط بالأحداث التي يمكن تذكرها بشكل واعٍ بينما نظام الذاكرة الذي يتضمن التلفيف باراهيبوكامبال (التلفيف من الحصين) والإتصالات القشرية يرتبط بما يمكن تذكره بالاعتماد على ما هو مألوف. وفق العلماء فان الديجافو تحدث عندما يتم تفعيل التلفيف باراهيبوكامبال بشكل مؤقت في الوقت الذي يكون فيه كل من القشرة الجبهية وقرن آمون يعملان بشكل طبيعي. التفعيل المؤقت هذا يخلق شعوراً بأن المحيط مألوف من دون تجربة يمكن تذكرها بشكل واعٍ.
"طاقية الإخفاء" أصبحت حقيقة ولكن في شكل "عباءة"! .. ماذا ستفعل إذا وقعت بين يديك؟
الذاكرة وإصلاح الاخطاء
في تجربة أخرى حاول العلماء القيام بتحفيز خارجي إصطناعي للديجافو من خلال تقديم مجموعة من الكلمات المترابطة للمشاركين بالتجربة من دون الكشف عن الصلة التي تجمع بين هذه الكلمات. مثلاً كلمات مثل السرير والوسادة والأحلام وكلها بطبيعة الحال ترتبط بالنوم ولكن كلمة النوم لم تكن من ضمن الكلمات التي رددت على مسامعهم. وعندما طلب منهم ذكر الكلمات التي رددت على مسامعهم فإن الغالبية قالت بأنه يخيل اليها أنها سمعت كلمة .
وبعد رصد نشاط الدماغ خلال التجربة تبين بأن المناطق الأكثر نشاطاً لم تكن تلك المرتبطة بالذاكرة بل المناطق الأمامية المرتبطة بإتخاذ القرارات.الخلاصة التي توصلت اليها الدراسة هي أن المنطقة الأمامية تراقب الذكريات بينما يتم «إعادة تشغيلها» من أجل رصد الاخطاء في محتواها وعليه يتم تفعيلها في كل مرة يتم رصد «خلل» ما في الذكريات. أي بإختصار ووفق هذه النظرية الديجافو هو نتيجة «نظام مراقبة» صارم يمارسه الدماغ من خلال مراقبة نشاطه والإبلاغ عن أي خلل يقوم به.