قضية الاحتيال الكبرى.. ضحاياها 30 ألف مواطن والخسائر بالمليارات
30 ألف مواطن فقدوا مليار دولار في أكبر عملية احتيال تقاضى فيها وسطاءُ الملايين.
11 عاماً تمر والمحتالون طلقاء خارج القضبان بعد انتهاء محكومياتهم في الحق العام.
- الجهات القضائية ترفض استقبال قضايا الحق الخاص؛ بحجة عدم اختصاصها.
- سنوات على تكليف المقام السامي لإمارة منطقة عسير بتتبع الأموال واستحصالها.
- اتهامات بالفساد والمحسوبية تتجه لمتنفذين وتقرير تفصيلي جرى التحايل عليه.
أكبر قضية فساد إداري ومالي شهدتها منطقة عسير منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة، قوامها مليار دولار، وقوائمها هوامير كبار ومسؤولون متنفذون، وضحاياها أكثر من 30 ألف مواطن أبرياء، بدايتها قبل 11 عاماً تواصلت بصراع مرير لاستعادة ما نُهب من أموال، إلا أن الحقوق الخاصة تاهت في هذا الصراع، وبات الهوامير طلقاء خارج قضبان السجون، وما زالت فصول القضية تتواصل في دوائر مفرغة.
البداية 30%
بدأت خيوط هذه القضية منتصف عام 2006 عندما ظهر عشرات الأشخاص كوسطاء يدعون المواطنين في عسير إلى المساهمة بأموالهم مع بعض الأشخاص الذين يعدّون على أصابع اليد الواحدة، تحت ذريعة استثمار تلك الأموال، وإعادتها إلى المواطنين مضافاً عليها أرباحاً مالية تتراوح بين العشرة والثلاثين في المائة شهرياً من رأس المال، وبالفعل تمّت عملية جمع تلك الأموال على مرأى ومسمع من جميع الجهات الرسمية التي آثرت السكوت، بل تجاوز بعضها إلى الإيعاز إلى مسؤوليها في المراكز والمحافظات بافتتاح المقارّ التي كان أولئك المحتالون يمارسون أعمالهم من خلالها.
كبش فداء
وفي نهاية 2006 ومع سقوط سوق الأسهم السعودية سقط أولئك المحتالون، على الرغم من ثبوت عدم استثمارهم لأي من تلك الأموال في سوق الأسهم السعودي، ليتم بعد ذلك القبض على الهوامير الكبار، وتقديمهم ككبش فداء يتم من خلاله التستر على مئات الوسطاء وعشرات المسؤولين المتنفذين في بعض الجهات المعنية الذين أفلتوا من العقاب، على الرغم من ثبوت استيلائهم على مئات الملايين من أموال المواطنين.
إطلاق سراح
وقد تم الحكم على خمسة أشخاص بأحكام عامة تراوحت بين السبع والخمسة عشر عاماً في الحق العام، في حين لم يصدر أي حكم في الحق الخاص، وقد كان عدم صدور أحكام قضائية في الحق الخاص وانتهاء محكومية البعض من المحتالين في الحق العام مدعاة لإطلاقهم من السجن، على الرغم من عدم سدادهم لمئات الملايين التي بذمتهم لآلاف المواطنين.
توجيه وإحالة وعودة
وجّه المقام السامي الكريم إمارة منطقة عسير في عام 1431هـ بالضرب بيد من حديد على المتلاعبين بأموال المواطنين، والعمل على تتبع الأموال واستحصالها، والحقيقة أن الإمارة قامت بإحالتها إلى النيابة العامة؛ بهدف التخلص من الآثار التبعية لهذه القضية؛ حيث ظلت النيابة تتدافع مع الإمارة عدم المسؤولية عن قضايا الحقوق الخاصة واستحصال أموال المواطنين؛ حيث استمر ذلك التدافع 3 سنين انتهى مؤخراً بعد استقلال النيابة عن الداخلية بإعادة كل هذه القضايا إلى الإمارة مجدداً.
لجنة وتقرير تفصيلي
وفي عام 1434 وجّه سمو ولي العهد وزير الداخلية وقتها بتشكيل لجنة عليا للتحقيق في تفاصيل هذه القضية من أكثر من جهة؛ حيث ترأست وزارة الداخلية أعمال تلك اللجنة، والتي ضمَّت في عضويتها مندوبين من النيابة العامة والمباحث العامة ومؤسسة النقد العربي السعودي، وباشرت تلك اللجنة أعمالها لمدة تجاوزت الأربعة أشهر لتخرج بتقرير تفصيلي يتجاوز الأربعمائة صفحة وضعت فيه تلك اللجنة يدها على مكامن الفساد في تلك القضية، ورأت ضرورة رفع نتائج تلك التحقيقات والمرئيات إلى المقام السامي؛ للاطلاع والتوجيه.
جيب غراند شيروكي Trackhawk 2018.. قمة الرفاهية والتقنيات المبتكرة
مطالبات بالمحاسبة
وتضمّن التقرير، بحسب آراء بعض المطلعين، تحميل المسؤولية لبعض المسؤولين في بعض الجهات، وطالبت بمحاسبتهم ومحاسبة بعض المتنفذين الذين استطاعوا التلاعب بملفات هذه القضية، والاستيلاء على مئات الملايين من أموال المواطنين بغير حق.
تحايل والتفاف
وفي الوقت الذي استبشر المواطنون خيراً بصدور نتائج تلك التحقيقات، وقرب رفعها إلى المقام السامي، في الوقت الذي استطاع فيه بعض المتنفذين الحيلولة دون رفع ذلك التقرير إلى الجهات العليا، والالتفاف عليه، وإخفاءه والوصول إلى محضر مشترك قام على هندسته بعض من طالهم التقرير وحمّلهم مسؤولية التقصير في محاولة للالتفاف على نتائج التحقيق والدخول بملفات هذه القضية إلى دهاليز النسيان التي لا تزال قابعة فيها إلى الآن.
أكبر قضية فساد
وحول القضية، قال المستشار والمحكم القضائي يحيى بن محمد الشهراني: "بالفعل هذه القضية تُعتبر أكبر قضية فساد مالي وإداري تشهدها منطقة عسير، اشترك فيها مجموعة من المتنفذين الذين تقاضوا عشرات الملايين مقابل العمل على تضليل المواطنين والتستر على بعض المجرمين، وإفلاتهم من العقاب".
خرق لقواعد الشريعة
وتابع: "اللجنة العليا التي حققت في ملابسات هذه القضية لمدة أربعة أشهر وضعت يدها على مفاصل الفساد في هذه القضية، وأثبتت وجود فساد مالي وإداري لدى بعض الجهات، وذات المتنفذين استطاعوا الحيلولة دون وصول هذا التقرير إلى المقام السامي، والالتفاف عليه بمحضر مشترك تضمّن خرقاً لقواعد الشريعة وأحكام النظام، هدف من خلاله من قام بهندسته إلى الحيلولة دون أن تأخذ توصيات اللجنة العليا طريقها إلى المقام السامي.
3 مراحل بدأت بتخبط
وأضاف: "القضية مرت خلال الثلاثة عشر عاماً الهجرية الماضية بثلاث مراحل، بدأت الأولى منذ نشوء هذه القضية في عام 1426هـ وإلى منتصف عام 1429هـ، وقد اتسمت هذه المرحلة بالتخبط والعشوائية وشبه الفساد التي حالت دون تحقيق أي نتيجة تُذكر".
الأموال المنهوبة
وبيّن: "في حين بدأت عملية التصحيح خلال المرحلة الثانية التي بدأت منتصف العام 1429هـ واستمرت إلى يوم 19 من محرم لعام 1433هـ، وقد كانت هذه المرحلة مرحلة الإصلاح والتصحيح، والتي قام على دعمها ورعايتها أمير منطقة عسير ووكيل الإمارة وقتها عبدالكريم الحنيني، من خلال تشكيل لجنة لمعالجة هذه القضية اتسمت بالحياد والنزاهة، وتولت وبقوة التحقيق مع المتورطين ووضع اليد على الأموال المنهوبة؛ حيث جمعت تلك اللجنة مبالغ مالية تزيد على 150 مليون ريال سعودي خلال فترة وجيزة".
الفساد العريض
وأوضح: "في حين بدأت مرحلة "الفساد الحقيقي والعريض" في منتصف شهر محرم وإلى يومنا هذا، والذي قام على هندسته بعض المتنفذين والمتورطين في تلك القضية؛ حيث سعوا جاهدين إلى إلغاء وحل تلك اللجنة، والتي أصبحت تشكّل خطراً على مصالحهم، واللعب بأوراق القضية وإخراجها من مسارها الطبيعي والصحيح إلى مسارات مختلفة ومتنوعة؛ بهدف إطالة أمدها تمهيداَ لإضاعة الحقوق وإطلاق المتورطين والتستر على المطلقين".
حل في أمرين
واختتم "الشهراني" قائلاً: "الحل الأكيد لهذه القضية يكمن في أمرين مهمين؛ أولهما إيصال صوت المواطنين وشكايتهم إلى مقام سمو ولي العهد، وأن يتولى سموّه شخصياً الإشراف على تفاصيل هذه القضية وخلفياتها، وثانيهما: طلب تقرير اللجنة العليا التي أشير إليها سابقاً، وتفعيل ما ورد فيه من توصيات ومحاسبة الفاسدين والمتورطين في هذه القضية، وخاصة من قام على محاولة إخفاء ذلك التقرير والالتفاف عليه ببعض الإجراءات غير القانونية التي أدخلت هذه القضية في دهاليز الفساد مرة أخرى والتي لا تزال تقبع فيه إلى يومنا هذا، بحسب سبق.