ما هو تأثير الملكة الحمراء؟.. ولماذا يصعب النجاة منه؟
لم يكن الإنجليزي "تشارلز دودجسون لوتويدج" مجرد عالم رياضيات ومصور فوتوغرافي، بل كان أيضاً كاتباً من الطراز الأول، حيث ألف تحت اسمه المستعار "لويس كارلوس" اثنين من أشهر الكتب في الأدب الإنجليزي، وهما "مغامرات أليس في بلاد العجائب" (1865) وتتمته "عبر المرآة" (1871).
الجري في نفس المكان
- في كتاب "عبر المرآة" يروي "كارلوس" قصة "أليس"، الفتاة الشابة التي تعلمت درساً مهماً في الحياة من "الملكة الحمراء" لا يلاحظه الكثير منا. "أليس" تجد نفسها تجري بشكل سريع ولكنها لا تبرح مكانها!
- تجري "أليس" إلى جانب الملكة الحمراء التي تصيح قائلة "أسرع! أسرع!، ولكن الشيء الغريب هو أن الأشجار وغيرها من الأشياء المحيطة بهما لا تزال هي الأخرى في مكانها، أي أنهما لم يتقدما قيد أنملة.
- في نهاية المطاف، تخبر الملكة الحمراء "أليس" بأن تستريح إلى جانب إحدى الأشجار، لتسألها الفتاة في حيرة "لماذا أشعر وكأننا رغم كل ما جريناه إلا أننا بقينا تحت تلك الشجرة طوال الوقت! كل شيء حولنا كما هو!
- تتابع "أليس" قائلة "في بلادنا، إذا ركضت بسرعة سينتهي بك المطاف في مكان آخر غير الذي انطلقت منه".
- "هذا نوع بطيء من البلاد!" هكذا ردت الملكة الحمراء، والتي تابعت قائلة "هنا، كما ترين، يتطلب الأمر الجري بأسرع ما تستطعين لكي تبقي في نفس المكان، وإذا رغبت في الذهاب إلى مكان آخر، ينبغي عليك الجري بأسرع من ذلك مرتين على الأقل!".
انتبه وإلا جرفتك الأمواج
- ألهمت هذه القصة عالم الأحياء الأمريكي "ليه فان فالين"، والذي قدم مصطلح "تأثير أو سباق الملكة الحمراء" ككناية عن المبدأ الذي أشار خلاله إلى أنه بغض النظر عن مدى تكيف الأنواع مع بيئتها الحالية، يجب عليها التطور لمواكبة منافسيها وأعدائها الذين يتطورون أيضاً.
- يمكن تلخيص دلالة "تأثير الملكة الحمراء" في العبارة التالية "لا تفعل شيئاً واستقر في الخلف، أو قم بالجري بأسرع ما يمكنك وابق حيث أنت".
- إذا نظرنا حولنا، نلاحظ وجود "تأثير الملكة الحمراء" في كثير من المجالات. فببساطة أصبح هذا التأثير جزءًا من المشهد التجاري وعملية البحث والتطوير في قطاع التكنولوجيا، الأمر الذي جعل الوضع أشبه بسباق التسليح.
- "تأثير الملكة الحمراء" يعني أنك كشخص يعمل في أي مجال لا يجب أن تشعر أبداً بالرضا تجاه مستواك العلمي مثلاً، وإلا قد ينتهي بك الأمر خارج ذلك المجال مع تجاوزك من قبل آخرين. باختصار، من أجل النجاة ليوم آخر، فأنت بحاجة إلى التطور والتعاطي بسرعة كبيرة مع النظم التي تتعامل معها.
- إذا تطور جميع الموظفين في شركة ما بنفس المعدل، لن يكون هناك تغير في أوضاعهم نسبياً. ولكن الجميع لا يتطورون بنفس المعدل، فهناك من هم أكثر استجابة للتغيير من غيرهم، وهؤلاء هم من يمتلكون ميزة نسبية على منافسيهم تدعم فرص بقائهم في مواقعهم حين تسوء الأمور.
- على المدى القصير، تبدو المكاسب النسبية التي يحرزها من هم أكثر استجابة للتغير لا تشكل الكثير من الفرق، ولكن مع مرور الوقت، تتضاعف هذه الميزة ويتضاعف كذلك تأثيرها.
"نوكيا" .. الضحية الأشهر
- في قطاع الأعمال، هناك الكثير من الأمثلة على شركات راحت ضحية لعدم استيعابها لتأثير الملكة الحمراء، مع شعورها بالرضا عن مكانتها في السوق، التي اعتقدت أنه لا يوجد هناك من يمكنه منازعتها عليه.
- في عام 2005، كان هناك لاعبان رئيسيان في سوق الجوالات الذكية بالولايات المتحدة، وهما "نوكيا" وموتورولا". فوفقاً لبيانات شركة "براند زد" استحوذت العلامتان التجاريتان على ما يقرب من نصف السوق الأمريكي، في حين جاءت "سامسونج" و"إل جي" خلفهما بفارق كبير.
- بعد ذلك بعام، وتحديداً في عام 2006، لم يحدث تغير كبير في التركيبة السوقية، ولكن حصة كل من "بلاك بيري" – الذي قدم لأول مرة في عام 2003 – و"إل جي" اتسعت قليلاً على حساب "نوكيا" وسامسونج".
- في يونيو/حزيران 2007، بدأ الوضع في السوق يتغير على نحو درامي، وذلك مع كشف "آبل" عن أول نسخة من جوالها "آيفون" والذي هز الأرض من تحت أقدام الإمبراطورية الفنلندية التي اعتقدت أن التكنولوجيا التي تميز بها هذا الجوال مجرد صيحة ستأخذ وقتها.
- بحلول عام 2010 أصبح "آيفون" الجوال الأكثر شعبية في البلاد، ليتدهور وضع "نوكيا" و"موتورولا" في السوق، بينما تمكنت كل من "سامسونج و"إل جي" من الحفاظ بصعوبة على مكانتيهما.
- "سامسونج" من جانبها استوعبت الدرس، وبدأت في تعديل إستراتيجيتها، واستثمرت بقوة في البحث والتطوير، لتقف الآن في السوق كمنافس "آبل" الرئيسي، وهو ما ساعدها على أن تصبح أكبر منتج للجوالات الذكية في العالم.
- كان من الممكن أن تكون "نوكيا" هي العلامة التجارية التي يحملها أكثر المستخدمين حول العالم اليوم، إذا لم يكن لدى "آبل" الجرأة الكافية لتحدي هيمنة الشركة الفنلندية التي بدت في فترة من الفترات ككيان غير قابل للمنافسة، من خلال تقديم مفهوم الجوال الذكي، بحسب ارقام.
- أخيراً، يقول تشارلز داروين "الأنواع التي تعيش، ليست هي الأقوى أو الأكثر ذكاءً، وإنما الأكثر استجابة للتغيير"، وهذا ما يحتاجه عالم الأعمال في الوقت الراهن مع التطور المتسارع الذي تقوده التكنولوجيا.