الديناصور الصغير
رأي 15 مارس 2014
الديناصور الصغير
سلمان الدوسري
صديقي يمكن وصفه بالديناصور الصغير. يأكل بشراهة لا نظير لها. لا يتوقف عن التهام ما لذّ وطاب. وما أن ينتهي من عشاء لم يبق فيه ولم يذر، حتى يردّد بصوت حزين: لا بدّ من نظام غذائي التزم به، بدلاً من هذه الفوضى الصحية. ابتداء من السبت القادم (ولا تسأل عن السبب في اختيار السبت فقط)، سأنتظم في برنامج صحي وغذائي. غنيّ عن القول أن العبارة نفسها تُكرر منذ عشر سنوات. وغنيّ عن القول أن صديقي لا يزال كما هو ديناصوراً صغيراً.
لا أعلم إذا كانت هناك شعوب في العالم عاداتها الغذائية أسوأ من الشعوب الخليجية. وجباتنا تحمل نسبة دهون لا مثيل لها، وأكثر كمية ملح، أما كميات الطعام فلا أحد ينافسنا بالطبع، نأكل ونأكل ونأكل، حتى لا نبقي مساحة للهواء شهيقاً ولا زفيراً، هل انتهينا؟ بالطبع لا، حان الآن وقت الأطباق المحلاة، لا داعي للحديث عن آلاف السعرات الحرارية التي نتفنّن في حقنها في اجسامنا، هل انتهت الحفلة؟ ليس بعد، فلايزال لمجد التهام الطعام بقية، لا بدّ من قيلولة ترسّخ السعرات الحرارية في كل جزء من أجسامنا.
لا أشكّ أن أكثر من ينضم للنوادي الصحية هم الخليجيين، لا أعرف شخص لم يقل إنه مارس التمارين الرياضية أو يمارسها أو سيمارسها في نادٍ صحيّ، بينما هذه الأندية لا يرتادها إلا القلة. قبل 15 عاماً تقريباً اشتركنا نحن مجموعة من عشرة اشخاص في نادٍ صحيّ لمدة عام؛ إليكم النتيجة المذهلة: خمسة توقفوا بعد شهرين. واحد يأتي يوماً ويغيب أسبوعاً. اثنان فقط واصلا ولم يتوقفا. أما المفاجأة الكبرى، فهي في شخصين دفع كل منهما مايقارب 1500 دولار، لكنهما لم يدخلا النادي البتةً، حتى بطاقة الاشتراك أتت إلى مكانهما. الأقوال لا يمكن أن تحلّ محل الأفعال مهما كانت الرغبات صادقة.
محاولات الناس لتصحيح نظامهم الغذائي لا تتوقف. يسعون بكل قوة لفعل ذلك. صحيح أن هذا الفعل يكون بالنيات فقط ، إلا أنهم في دواخلهم يرغبون في ذلك بشدة، ربما لإقناع أنفسهم بأنهم حاولوا على الأقل ولم يفلحوا؛ فهناك, مثلاً، من يقرر ممارسة رياضة المشي، الحقيقة أنه يقضي وقتاً للاستمتاع أكثر منه لحرق السعرات الحرارية أو اكتساب اللياقة، فهو يمشي الهوينا، وكأنه يستعرض حرس الشرف، يتحدث هاتفياً ويضحك ويتمايل طوال مدة رياضته - عفواً مكالمته - وآخرون يذهبون فعلاً للأندية الصحية، ولكنهم يفعلونها لكل شيء الا لممارسة رياضية حقيقية. لا افهم أن يستقطع أحد من وقته ويذهب لأداء التمارين، وهو يشرب كأساً من الفانيلا الممتلئة بالكريما والكراميل، وما أن ينتهي منها حتى آخر رشفة، يبدأ بالتمارين مع كثير من المحادثة مع زملائه، عبر "الواتس أب"، ومطالعة آخر ما جاد به "تويتر" وتصوير نفسه وإرسال الصور عبر برنامج "إنستغرام"، ثم يخرج من النادي هو لم يخسر قطرة عرق واحدة. حقيقة ما أجمل مثل هذه التمارين الرياضية!
وعودة إلى صاحبي الديناصور الصغير، بعدما صارحته بهذا الوصف، فلم يغضب ولم يعتب وصمت أسابيع طويلة، قبل أن يعود مبتسماً، وقد زادت كرشه طولاً وعرضاً وارتفاعاً، ورمى أمامي بدورية "الديلي ميل" البريطانية التي نشرت دراسة استرالية تؤكد أن مشاهدة التمارين الرياضية فحسب، تساعد على تحسين اللياقة البدنية، وأردف صاحبي: هل تريدني أن أتوقف عن متعة الطعام وأتجه إلى جحيم التمارين الرياضية؟ أمامك الحلّ السحري، فلمَ هذه "الفلسفة" التي لا طائل منها؟ أعترف: الحقيقة التي اكتشفتها متأخراً، أن الديناصور الصغير هو الذي لا حلّ له. وكم من ديناصورات كثيرة بيننا.