أثرياء يتشاركون الطائرات الخاصة بحثا عن التوفير
لندن: عادل مراد:
في عالم الطيران الخاص الكثير من الدرجات التي تبدأ ببرامج بطاقات الاشتراك الخاص في عدد من ساعات الطيران، قبل الارتقاء الى ملكية جزء من الطائرة تتيح عدداً اكبر من الساعات، وحتى الملكية الكاملة التي تفتح آفاق الطيران الخاص بلا حدود. ولكن آخر صيحة في مجال الطيران الخاص هي مشاركة افراد آخرين في الرحلة الخاصة، مقابل خفض تكاليف السفر الجوي للجميع، وهي فكرة اغرت عدداً من الاثرياء، على الرغم من انها تنفي الخصوصية عن رحلات الطيران الخاصة.
من الشركات التي دخلت الاسواق هذا العام، من اجل تعميم هذه الفكرة شركة "جامب سيت" (JumpSeat) الاميركية التي يديرها جاستن سوليفان، وهو خبير طيران خاص، عمل لسنوات طويلة في مجال تأجير الطائرات الخاصة بأسلوب "تشارتر". وتهدف الشركة إلى ملء المقاعد الشاغرة في رحلات الطائرات الخاصة، سواء في رحلات الذهاب مع وجود مقاعد شاغرة او في رحلات الاياب التي تكون فيها الطائرات شاغرة تماماً
. وتعتمد الشركة على قاعدة من الركاب المعروفين للشركة، وهي تفتح المجال لآخرين في الانضمام إلى هؤلاء، ولكن ليس عن طريق الاشتراك بالبطاقات ودفع مبالغ مقدما، مثل بقية الشركات الاخرى، وإنما بتقديم كل المعلومات عن انفسهم في اختبار شخصي وتحليل لموقفهم المالي والتأكد من سجلهم الشخصي من الجوانب الائتمانية والجنائية، قبل السماح لهم بالمشاركة في البرنامج. ويبدو ان الشركة تبحث عن نوعية معيّنة من المسافرين الذين يمكن الاطمئنان إلى انهم لن يزعجوا غيرهم في رحلات الطيران الخاص،
وينتمون الى الفئة العالية الدخل التي يمكنها تحمّل تكاليف السفر الخاص بلا متاعب. والعامل الحيوي للشركة هو ان يطمئن المسافرون الاصليون على الطائرة الخاصة، انه في حالة انضمام ركاب آخرين لهم من المسجلين في شركة "جامب سيت" فيمكن الوثوق بهم خلال الرحلة.
ويشرح سوليفان لـ"الرجل" فلسفة الشركة في انها ببساطة تحاول شغل المقاعد الخالية على رحلات الطيران الخاصة، لخفض التكلفة على المسافرين. ويضيف أن الاثرياء يهمهم كذلك توفير التكاليف، والظهور في موقف متعاطف مع جهود المحافظة على البيئة، بعدم السماح بطيران طائرات خالية من الركاب.
وتساعد التقنيات الحديثة على مواءمة الركاب والمقاعد بين المدن الاميركية المختلفة، ويتم نشر قوائم المدن ومواعيد الرحلات بينها، وعدد المقاعد الشاغرة. ويقدم سوليفان تخفيضات تصل الى 40 في المئة عن الاسعار السائدة لرحلات الطائرات الخاصة
. وهو يقول ان زوجين في رحلة خاصة من نيويورك الى بالم بيتش، يدفعان 20 الف دولار، بمعدل عشرة آلاف دولار لكل منهما. ولكن اذا انضم اليهما راكبان آخران، فإن السعر ينخفض الى خمسة آلاف دولار لكل منهما. ويستمر السعر في الانخفاض، كلما زاد عدد الركاب المشاركين في الرحلة نفسها. وفي الوقت نفسه لا يفقد المسافرون الأصليون اياً من مزايا السفر بالطائرة التي يرغبون في ركوبها، ومن المطار الذي يرغبون في استخدامه وفي المواعيد التي تناسبهم.
وبخلاف كثير من البرامج الاخرى، فإن المشاركة في الطائرات لا تتطلب دفع رسوم او حمل بطاقات او شراء ساعات طيران. ويؤكد سوليفان ان المشاركة في رحلات الطيران الخاص، هي جزء من صورة اكبر لمجتمع يتوجه نحو المشاركة، ويشمل هذا العقارات والسيارات
. وهو يعتقد ان هذا التحول من شأنه ان يغيّر الكثير من المفاهيم في المستقبل. وهو يعتقد ان المستقبل يحمل المزيد من المشاركة، الى درجة ان البعض لن يصدق بعد خمس سنوات من الآن، التكاليف الباهظة للطيران الخاص التي كانت سائدة في بدايات الالفية. ولكن ماذا عن الخصوصية اثناء الطيران التي يعدّها البعض شرطا اساسيا من شروط الطيران الخاص؟
يقول سوليفان ان زبائن شركته هم من فئة معيّنة من المصرفيين والمحامين وكبار المديرين والرياضيين المحترفين والمشاهير، وهم فئة من الناس يهمّها التعرف إلى اخرين من مجالات مختلفة. وهو يعتقد ان المشاركة في رحلات الطيران الخاصة يمكن ان تؤدي الى صداقات وصفقات عمل فيما بعد.
وأكد بعض المشاركين في البرنامج انهم لا يمانعون في وجود ركاب اخرين على الطائرة الخاصة، ماداموا ينتمون الى برنامج الشركة نفسها، كما انهم يستفيدوان ايضا من تخفيضات هائلة في تكاليف رحلات الطيران التي يقومون بها. وقال راكب آخر انه سافر مع ثلاثة من زملائة على احدى رحلات الشركة من نيويورك الى كاليفورنيا، على متن طائرة من طراز سايتيشن تن. ودفع كل منهم ثلاثة آلاف دولار فقط.
وفيما يتعلق بالخصوصية قال ان الزوجين اللذين حجزا الطائرة في الاساس، ظلا طوال الرحلة يتابعان الافلام على جهاز آيباد يحملانه، اما هو فقد قضى الرحلة في نوم عميق. وأضاف انه لولا فكرة بيع المقاعد الشاغرة، لما سنحت له الفرصة في الطيران على متن طائرة خاصة بسبب التكلفة الباهظة. وتأمل شركة "جامب سيت" ان يكون عدد الذين لا يمانعون في سفر اخرين معهم على الطائرة نفسها، مقابل تخفيضات كبيرة في الثمن، اكبر من هؤلاء الذين يقدرون الخصوصية بأي ثمن، ويرفضون وجود غرباء معهم على الطائرة الخاصة.
ويقول سوليفان إن من يحجز الطائرة الخاصة اولاً له الكلمة العليا والاخيرة، فيمن يقلع معه على الطائرة، وفي موعد الاقلاع الذي يترك بعده من يتأخر عن الوصول في الموعد. وتقسم الشركة زبائنها الى "مشترين" و"راغبين في السفر الخاص" والفئة الاخيرة هم الزبائن الاصليون للشركة الذين حجزوا الطائرات الخاصة ودفعوا تكاليف السفر، اما المشترون فهم الاخرون الذين ينضمون الى الرحلة المعلنة ويسهمون في التكاليف. والهدف هو خفض او المقاعد الشاغرة على الرحلات الغاؤها، ما يخفض التكاليف على الجميع.
والاهم من ذلك ان طائرات بأكملها تطير شاغرة بعد نقل الركاب الاصليين الى وجهة سفرهم، وهنا يمكن للشركات ان تبيع مقاعد الطائرة الشاغرة لتغطية تكاليف الوقود والصيانة والتأمين. وتختلف اسعار المقاعد وفقا لخط السير وعدد المقاعد الشاغرة، ولكنها بوجه عام تكون ارخص من الاسعار المعلنة لرحلات الطائرات الخاصة
. ويعتمد سوليفان على خبرته من شركته السابقة للطيران الخاص بأسلوب "تشارتر"، واسمها "برايفت فلايت" والتي كان زبائنها يحصلون على مزايا معيّنة بالسفر مع العديد من شركات التشارتر في اي وقت يريدون. واستطاع سوليفان ان يكوّن قاعدة اتصالات وزبائن جيّدَيْن، وأن يجمع ايرادات زادت على الستة ملايين دولار سنويا.
وفكرة الشركة الجديدة هي استكمال للخدمات التقليدية، ولكن مع الاستفادة من التقنيات المتاحة من اجل تخفيض تكاليف السفر الخاص عن طريق تقليص عدد المقاعد الشاغرة. وتزيد الفكرة من عدد هؤلاء الذين يختارون السفر الخاص وبالتالي يتسع حجم السوق وتزيد الارباح فيه. وتحصل "جامب سيت" على 10 في المئة عمولة على المقاعد التي يتم حجزها على النظام الالكتروني للحجز الذي ابتكرته، ثم خمسة في المئة على المقاعد الشاغرة التي تبيعها بعد ذلك. وتعمل الشركة على الانترنت فقط، وتسهم حاليا في ابتكار تطبيق الكتروني للاستخدام مع هواتف أبل الجوالة هذا العام
. كما تعمل على تطبيق مماثل لهواتف تعمل بنظام اندرويد. وسوف تسهم هذه الانظمة في جعل عملية حجز مقاعد على طائرات خاصة، سهلا للغاية بزيادة الشفافية في السوق وخفض الاسعار. وتراوح اسعار الرحلات الشاغرة حاليا بين 495 دولاراً من "اورانج كاونتي" الى "سكوتسديل" على طائرة سايتيشن الترا لايت الى 12,500 دولار على طائرة سايتيشن تن من أسبن الى العاصمة الاميركية واشنطن
. وعلى رغم انتقادات بعض اوساط الصناعة في ان الفكرة تنفي اسس الخصوصية في الطيران الخاص، يقول سوليفان ان الفكرة في البداية طرحها زبائن الشركة الذين كانوا يبحثون عن وسائل لخفض تكاليف السفر الخاص، من دون هجرة المجال بالمرة الى الطيران التجاري. ويضيف ان خدمات الشركة تختلف عن غيرها لأنها تقدم مقاعد على طائرات مقرر لها الاقلاع فعلا، وليس محاولة التنسيق بين مجموعات ركاب وبين طائرات تنقلهم.