هرقل والقرار
باولو كويلو
سمعنا جميعاً باسم هرقل، البطل المشهور من الأساطير اليونانية القديمة. والنص التالي من تأليف الكاتب الأمريكي جيمس بالدوين، الذي أخذه من إحدى المغامرات التي اشتهر بها هرقل في شبابه، حيث تقول الأساطير إنه تم تكليفهباثتي عشرة مهمة باسم العدالة.
كان هرقل ما يزال شاباً ويفتقر إلى الخبرة في الحياة، وكانت أمامه حياة طويلة. لكن قلبه لم يكن دائماً مرتاحاً أو راضياً. كان ينظر حوله، ويرى أصدقاءه يقضون معظم وقتهم في اللهو والشرب والخروج مع الفتيات، في حين كان عليه أن يعمل من مشرق الشمس إلى مغربها، من أجل الإنفاق على البيت الذي يعيش فيه.
ذات صباح طلب منه زوج أمه أن يذهب إلى مدينة قريبة لشراء خميرة للخبز. أطاع هرقل، لكنه حين وصل إلى مفترق طرق لم يكن قد شاهده من قبل، لم يعلم ما هو الاتجاه الذي يجب عليه السير فيه.
كان المسار نحو اليمين مليئاً بالمطبات والصخور، وليس فيه جمال طبيعي من أي نوع كان، لكن هرقل لاحظ أنه يؤدي إلى حافة جبليةزرقاء جميلة في الأفق. وكان المسار المؤدي إلى اليسار واسعاً وسهلاً وواضحاً، وكان على جانبيه مياه رائقة، ويقطع مرزعة بها أشجار مثمرة بالفواكه والعصافير تزقزق طيلة الطريق. لكن ضباب الصباح الكثيف لم يمكنه من رؤية ما يقع وراء ذلك المسار.
وفي الوقت الذي كان فيه الشاب يتأمل الوضع، محاولاً التوصل إلى قرار لتلبية طلب زوج أمه، لاحظ امرأتين جميلتين تقتربان منه، واحدة من اليمين والأخرى من اليسار. المرأة التي جاءت من جهة الأشجار وصلت أولاً، لأن الطريق كان سهلاً ولا يعيق المشي فيه. لاحظ هرقل أن وجهها كان ضارباً إلى السمرة بسبب الشمس، وعيناها تلتمعان واقتربت منه وقالت له بصوت عذب ومقنع:
"مرحباً أيها الشاب، يا من له قوة عظيمة وموقف جيد. اتبعني وسأقودك خلال الأماكن البهيجة، حيث لا توجد عواصف تؤذي جسمك أو مشاكل تبعث الأسى في روحك. سوف تعيش مع أصدقائك، في حلقة متزايدة من الموسيقى والمرح، ولن تحتاج إلى شيء. لن ينقصك الشراب الذي ينعشك، ولا السرير المريح، ولديك أفضل النساء في المنطقة. تعال معي وستعيش حياة الأحلام."
في تلك اللحظة وصلت المرأة الأخرى، التي جاءت من الطريق الجبلي، ووصلت أيضاً إلى التقاطع. وتحدثت كذلك إلى هرقل:
"ليس لدي شيء يشبه ذلك لأعدك به. وستجد في ذلكالطريق الذي جئتُ منه ما تستطيع تحقيقه بما لديك من قوة وعزيمة. الطريق الذي سأقودك من داخله غير منتظم ومثير للحوف، حيث أحياناً تجد نفسك أمام تلة سحيقة لا بد من أن تتسلقها، وأحياناً تحد ودياناً يبلغ من عمقها أن أشعة الشمس لا تصل إليها أبداً. المناظر التي ستراها ربما تكون مذهلة ومثيرة للإعجاب إلى حد كبير، لكنها هي أيضاً موحشة وتبعث على الخوف. لكن هذا الطريق هو الذي سيأخذك إلى الجبال الزرقاء، التي هي أرض الشهرة والانتصار، وهي أراض تستطيع أن تراها في الأفق. لا تستطيع أن تصل إلى هذه الأراضي دون أن تبذل أي مجهود، وكل ما ترغب في الحصول عليه لا بد لك من العمل والكد حتى تستطيع أن تحصل عليه. إذا أردتَ أن تأكل، فلا بد لك من أن تزرع. وإذا أردتَ الحصول على الحب، فمن الضروري أن تحب. وإذا أردتَ الوصول إلى السماء، فلا بد أن تجعل نفسك جديراً بالدخول من أبوابها. وإذا أردتَ أن يذكرك الناس، فلا بد أن تكون مستعداً للقتال في كل دقيقة من حياتك."
سألها هرقل: "ما اسمك يا امرأة؟"
فأجابت: "بعض الناس يطلقون علي اسم ’العمل‘. لكن هناك آخرون يطلقون علي اسم ’الفضيلة‘. وأنا أفضل هذا الاسم."
ثم استدار هرقل نحو المرأة الأخرى.
وسألها: "وأنتِ، ما اسمك يا امرأة؟"
فأجابت المرأة التي جاءت من المسار الآخر المليء بالزهور: "البعض يدعوني ’اللذة‘. لكني أفضل أن يدعوني الناس باسم ’الحظ‘."
فقال لها هرقل: "يا أيتها المرأة التي اسمها اللذة. لا أستطيع أن أرى أين يقودني هذا الطريق الذي تدعوني إليه. من جانب آخر، تريني الفضيلة الجبال الموجودة في الأفق، وهي المناطق التي تقودني إليها ثمار جهودي."
وضع هرقل يده بيد الفضيلة، ودخل المسار الذي يقوده إلى مصيره.