"الرجل " تقلب صفحات تاريخ غرفة تجارة الكويت .
26 يناير 2014
الكويت - فادية الزعبي
تنظيم العمل التجاري في دولة الكويت لم يبدأ بتأسيس "غرفة تجارة وصناعة الكويت" عام 1959، وإنما بدأ مع نشأة الكويت قبل حوالي 400 سنة.
هذا ما تثبته الوثائق التاريخية، فموقع الكويت الإستراتيجي في شمال الخليج العربي، جعلها ممراً بحرياً وبرياً مهماً لنقل البضائع خلال حقبة ازدهار التجارة في المنطقة في الأعوام 1700 و1800 و1900 ميلادية. فكان العمل الأساسي لسكان الكويت آنذاك هو التجارة والغوص على اللؤلؤ. وعلى ذلك قام كبار التجار بتنظيم العمل التجاري فيما بينهم بصورة تفاهمية، واستمر نظام العمل التجاري غير المؤسسي المتفق عليه معمولاً به حتى تأسست غرفة تجارة وصناعة الكويت قبل 53 سنة.
وقد قامت الغرفة منذ تأسيسها وحتى الآن، بالمشاركة في دراسة ومراجعة العديد من التشريعات التي تنظم النشاط الاقتصادي في البلاد، وأبدت الرأي في الكثير من القضايا الاقتصادية المحلية، وأسهمت في بلورة معالجتها. كما قامت بإعداد الكثير من الدراسات التي تهمّ الاقتصاد الوطني وقطاع الأعمال. هذا إلى جانب دورها خارج الكويت سواء على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في القضايا الاقتصادية المشتركة، أو الدول العربية والأجنبية. ودعمها سمعة الكويت التجارية عالميا بطريقة يستغربها البعض، وأصبح موقفها مميّزاً أمام اتحاد الغرف العربية، بدليل أن الكثير من الغرف العربية والدولية يهمها الاستئناس برأي غرفة الكويت في كثير من القضايا الاقتصادية.
كما ان دور الغرفة في القضايا الكويتية دور استشاري، وذلك بموجب قانونها وبصفتها مؤسسة؛ إذ لا تتدخل في الشؤون السياسية. ولكن أعضاءها لهم حرية الحركة والتصرف بما يملي عليهم وطنهم. حيث ترأس عبد العزيز الصقر مجلس الأمة وهو أحد كبار التجار ومؤسّسي غرفة تجارة وصناعة الكويت.
اتفاق تجار
تعدّ غرفة تجارة وصناعة الكويت إحدى أقدم الغرف التجارية العربية، حيث أُسست عام 1959، ولكن قبل هذا التاريخ، وقبل اكتشاف النفط في الكويت عام 1936 وبدء تصديره عام 1946 أوجد التجار الكويتيون تنظيماً خاصاً بالتجارة ليس مؤسسياً.
ويقول عبد الوهاب الوزان النائب الثاني لرئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت حالياً، ووزير التجارة والصناعة الأسبق، إنه منذ نشوء الكويت قبل نحو 400 سنة كان شعبها منفتحاً على العالم، وكانت حركة تجارها تمتد لدول إفريقية، وآسيوية خاصة الهند وإيران، وعربية كالعراق.
وقد عُرف عن تجار الكويت أنهم من أنجح تجار المنطقة، وساعدهم في ذلك موقع الكويت الإستراتيجي في أقصى شماليّ الخليج العربي الذي جعلها ممراً برياً وبحرياً لتجارة الشرق والغرب خاصة خلال سنوات ازدهار تلك التجارة في الأعوام 1700 – 1800 – 1900 ميلادية.
وفي فترة من تاريخ الكويت كان الكويتيون يملكون ما بين 700 إلى 800 سفينة تجوب البحار متجهة شرقاً إلى دول آسيا، وغرباً إلى دول إفريقية، وتتجاوز رأس الرجاء الصالح في طريقها إلى فرنسا لبيع جزء من حصيلة الغوص على اللؤلؤ. فأهم موارد السكان كانت تتأتى من التجارة، ومن الغوص على اللؤلؤ.
ويضيف الوزان ، "وفي ذلك الوقت، كان لتجار الكويت تنظيماتهم المتفق عليها فيما بينهم وبصورة تفاهمية. فهناك شخصيات تجارية كانت مرجعاً لباقي التجار سواء في الاستشارة أو في حل المشاكل المتعلقة بتجارتهم داخل الكويت وخارجها. ومن أسماء العائلات التجارية الكويتية القديمة والعريقة، عائلة الغانم، والصقر، والبحر، والقطامي، والوزان، والكاظمي، والنصف، والحميضي، معرفي، بهبهاني، الخالد، المطيري، الساير وغيرها من العائلات ".
وقال إن حكام الكويت كانوا يعتمدون على الضرائب من التجار رسوماً جمركية على السلع الواردة للكويت بحراً وبراً، وهذا كان جزءاً من الدخل القومي الكويتي قبل ظهور النفط.
إحدى أقدم الغرف
وأورد الوزان تاريخ تأسيس أقدم الغرف التجارية الأجنبية والعربية، ليخلص إلى أن غرفة تجارة وصناعة الكويت هي إحدى أقدم الغرف العربية، فقال إن أول غرفة تجارية ُأسست في العالم هي غرفة تجارة مرسيليا بفرنسا عام 1599، تلتها غرفة تجارة إنجلترا عام 1884، ثم غرفة التجارة الإيطالية عام 1892.
أما على المستوى الوطن العربي، فأول غرفة تجارية عربية أُسست عام 1883 وهي غرفة تجارة منطقة السلط في الأردن، ثم غرفة تجارة حلب في سورية عام 1885. وهناك معلومة غير موثقة تقول إن غرفة السويس في مصر أُسست عام 1880 فإذا صحت هذه المعلومة تكون غرفة السويس أول غرفة تجارة عربية.
أما غرفة تجارة وصناعة الكويت فأُسست عام 1959، أي قبل صدور الدستور الكويتي عام 1962. وكان تأسيسها بجهود رجالات الكويت على رأسهم العم المرحوم عبد العزيز الصقر، وحمود النصف، وعبد الرزاق الخالد، ومحمد عبد الرحمن البحر، وناصر الساير، والحاج يوسف الفليج، ويوسف ابراهيم الغانم، وعبد المحسن الثويني، وخالد العيسى، وعلي الغانم، والمرحوم محمد عبد المحسن الخرافي وآخرون من كبار رجالات الكويت.
وقد كان لهؤلاء المؤسسين أكبر الأثر في قوة الغرفة وعلوّ شأنها، ودورها الوطني في اقتصاد البلد. واليوم سلموا الراية لأبنائهم وأحفادهم التجار الآخرين الذين هم أعضاء في الغرفة التي يترأسها حالياً علي محمد ثنيان الغانم، والنائب الأول خالد عبد الله الصقر، يساندهم جميع الأعضاء.
السياسة والغرفة
وعمّا إذا ما كان لغرفة تجارة وصناعة الكويت دور في السياسة الكويتية، أو تأثير في حركتها السياسية، قال الوزان إنه من المؤكد أن يكون لها دور وتأثير في السياسة الكويتية، فالبلد صغير، والتجار كانوا الركيزة الأساسية في بناء الكويت منذ القدم وأهم مصدر لإيرادات الدولة. لذلك كان تأثيرهم في القرار السياسي خلال فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، أكثر بكثير من تأثيرهم في فترة الستينات وما بعدها. والسبب هو ظهور النفط المملوك للدولة.
فالدولة بعد ظهور النفط أصبحت الراعية لمناحي الحياة كافة. في حين كان دورها السابق يقتصر على الإشراف والمتابعة.
لا تقيّدوا التجار
ويرى الوزان أن دور الدولة السابق المتمثل في الإشراف والمتابعة كان هو النظام الصحيح الذي يسمى بالنظام التجاري الحر. أما الآن فقد اندمجت الاشتراكية بالرأسمالية بالنظام الإسلامي. فهناك بنوك إسلامية وأخرى تقليدية ربوية، وتجارة شبه مقننة بسبب القيود العديدة التي تكبل حركة التجار، وتقلص دورهم ودور القطاع الخاص.
وخلص إلى القول "إن التأثير السياسي لغرفة تجارة وصناعة الكويت قد تراجع كثيراً عن السابق. مثلاً كان أول رئيس لمجلس الأمة الكويتي من كبار التجار وهو أحد مؤسسي غرفة تجارة وصناعة الكويت السيد عبد العزيز الصقر رحمه الله. وهذا يوضح مدى تأثير التجار في الساحة السياسية."
ولكنه نبّه إلى أن غرفة تجارة وصناعة الكويت بموجب قانونها وبوصفها مؤسسة، لا تتدخل في الشؤون السياسية. ولكن أعضاءها لهم حرية الحركة والتصرف بما يملي عليهم وطنهم.
وأشار إلى أن الجرعة السياسية الكبيرة جداً التي تضخّ حالياً في الشأن الاقتصادي أثرت سلباً في اقتصاد البلد، وأدخلت حركته في متاهات البيروقراطية، والدورة المستندية الطويلة. ولذلك أصبحت الكويت أقل دول المنطقة اجتذاباً للمستثمر الأجنبي. لأن المستثمر الأجنبي يحتاج إلى مرونة في القوانين وتسهيلات في تخليص المعاملات واستخراج الرخص الصناعية والتجارية والمالية.
ولم يقتصر التأثير السلبي للجرعة السياسية الكبيرة للدولة على القطاع الاقتصادي فقط، بل شمل قطاعات أخرى كالتعليم والصحة وغيرها.
وأكد أن أهم موارد الدخل القومي للدول تتأتى من حركة التجارة والصناعات الصغيرة والمتوسطة. فـنحو 85% من الدخل القومي البريطاني يتأتى من المشاريع الصغيرة والمتوسطة. في حين أن 90% من الدخل القومي الكويتي يتأتى من إنتاج النفط وبيعه واستهلاك إيراداته. وهذا الأمر لا يسمح بوجود تنمية اقتصادية.
وحثّ الوزان على تنفيذ رؤية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح في جعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً في المنطقة. فالكويت قادرة على تحقيق هذه الرؤية لتكون دولة خدمات. وهذا يتطلب تكاتف الجهود، وبناء مؤسساتها كافة بما يخدم هذا التوجه. وخاصة التعليم "لأنني لاحظت أن خططنا تركز على بناء الحجر، ونحن نحتاج خططاً لبناء البشر وليس الحجر".
إنجازات بمجلدات
عن أهم إنجازات غرفة تجارة وصناعة الكويت منذ تأسيسها، قال الوزان إنها كثيرة جداً وعلى درجة عالية من الأهمية، وتحتاج إلى مجلدات ضخمة لتسجيل إنجازاتها على مدى أكثر من 50 سنة مضت. فغرفة تجارة وصناعة الكويت مثال على الاستفادة من الإمكانات والخبرات الموجودة لديها. ورغم أن دورها يتمثل في التعبير عن رأي القطاع الخاص بالقضايا والتشريعات الاقتصادية. وهو دور استشاري، فإنه مبنيّ على خبرة وتعايش يومي مع الأنشطة الاقتصادية المختلفة. وهنا تكمن أهمية رأيها العلمي والموضوعي في بناء القرار أو التشريع الاقتصادي.
وقد قامت الغرفة منذ تأسيسها وحتى الآن، بالمشاركة في دراسة ومراجعة العديد من التشريعات التي تنظم النشاط الاقتصادي في البلاد وأبدت الرأي في الكثير من القضايا الاقتصادية المحلية، وأسهمت في بلورة معالجتها. كما قامت بإعداد الكثير من الدراسات التي تهمّ الاقتصاد الوطني وقطاع الأعمال. هذا إلى جانب دورها خارج الكويت سواء على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي في القضايا الاقتصادية المشتركة، أو الدول العربية والأجنبية. ودعمها سمعة الكويت التجارية عالمياً بطريقة يستغربها البعض، وأصبح موقفها مميّزاً أمام اتحاد الغرف العربية، بدليل ان الكثير من الغرف العربية والدولية يهمّها الاستئناس برأي غرفة الكويت في كثير من القضايا الاقتصادية.
فعلى صعيد اجتماعاتها في دول مجلس التعاون أسهمت الغرفة برأيها في مواضيع شتى منها مثلاً انتقال العمالة، وانتقال رجال الأعمال، وانتقال رؤوس الأموال، وانتقال البضائع، والجدار الجمركي ما بين دول التعاون والدول العربية، والسوق العربية المشتركة، والاستثمارات المتبادلة بين الدول العربية المشتركة، والاستثمارات المتبادلة. وغيرها من القضايا.
آراء في الاقتصاد المحلي
أما على صعيد الكويت، فقد طرحت الغرفة فكرة إنشاء مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وفعلاً تم تأسيسها، كما كان للغرفة رأي في إنشاء المنطقة الحرة، وفي تعديل قانون هيئة أسواق المال، وإسقاط القروض الاستهلاكية والمقسّطة، وفي الخطة السنوية والخطة الخمسية (مشاريع خطط التنمية)، وفي الأمور المرتبطة بالشؤون الصناعية، ومعالجة انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وقضية سوق المناخ سنة 1982.
كما طالبت الغرفة بتوفير مساحات تخزينية للشركات وبمساحات من الأراضي لإنشاء مصانع، وبإلغاء رسوم رسوّ السفن في موانئ الكويت لتشجيع إعادة التصدير.
وأبدت رأيها في فرض رسوم ضريبة على الدخل، وبالشروط المرجعية لدراسة تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، وبمشروع قانون الزكاة، ومساهمة الشركات في ميزانية الدولة، ومشروع الخصخصة، أي أنها كانت تبدي رأيها المدروس في جميع القوانين الاقتصادية الكويتية.
ولهذه الأسباب فإن الغرفة موجودة في كثير من اللجان الرسمية الدائمة، مثل لجنة سوق الكويت للأوراق الملية، واللجنة العامة لتوحيد القياس، وفي مجلس إدارة الهيئة العامة للصناعة، ومجلس إدارة التأمينات الاجتماعية، ومجلس إدارة مؤسسة الموانئ الكويتية، ومجلس الجامعات الخاصة، وغيرها كثير.
كما اهتمت الغرفة بعملية التدريب، فأنشأت مركز عبد العزيز حمد الصقر لتدريب كوادر القطاعين العام والخاص كافة، علاوة على إنشائها مركزاً لأصحاب الأعمال التي تقدم خدمات معرفية، وخدمة الردّ الهاتفي وغيرها من الخدمات.
وتتكفل الغرفة كل سنة بتكاليف بعثة 5 طلاب لنيل الماجستير ضمن تخصصات محددة.
مواقف لا تنسى
إن أحداً من التجار لا ينسى الدور المشرّف لغرفة تجارة وصناعة الكويت إبان الغزو الصدامي للكويت عام 1990.
وفي هذا يقول عبد الوهاب الوزان إن الغرفة قامت خلال الغزو مباشرة بالحفاظ على بضائع التجار الكويتيين، فكانت تتسلّم بضائعهم وتخزنها في ميناء دبي. وفتحت لهم فرعاً في دبي لمتابعة كل القضايا المرتبطة بالتجار الكويتيين والمتعلقة بحركة بضائعهم وتخزينها.
ويضيف "بعد تحرير الكويت عام 1991، استقال أعضاء الغرفة الأربعة والعشرون، وانضممت إلى قائمة الأسرة الاقتصادية برئاسة العم المرحوم عبد العزيز الصقر، ونجحت القائمة بثلاثة وعشرين مقابل شخص واحد من القائمة الأخرى هو المرحوم خالد يوسف المرزوق."
وقد شهدت انتخابات الغرفة ذلك العام إقبالاً كثيفاً على التصويت تجاوز فيه عدد الناخبين 6 آلاف عضو. مما استدعى إجراء الانتخاب في نادي الكويت الرياضي، مع العلم مجموع أعضاء الغرفة في حينها كان 32 ألف عضو من الأفراد والشركات والبنوك. وعدد الذين سددوا الاشتراك بلغ نحو 12 ألف.
وأعرب الوزان عن فخره واعتزازه بالانتماء إلى غرفة تجارة وصناعة الكويت، مثلما يفتخر كل كويتي برجالات هذه المؤسسة العظيمة.