اثرياء المنطقة يقبلون على استخدام الطائرات الصغيرة
06 ديسمبر 2013
لندن: عادل مراد
تتراكم متاعب شركات الطيران الخاص في منطقة الشرق الأوسط، بسبب المتاعب السياسية وعدم الاستقرار السائد في المنطقة منذ عام 2011. وأدى توتر الأجواء في المنطقة إلى تقلص نشاط السفر الخاص، سواء بغرض الأعمال أوالعطلات. وتحول نشاط بعض الشركات إلى مجالات أخرى، والاعتماد المكثف على الطائرات الأصغر حجماً، مع تزويدها بالوقود في الرحلات الطويلة حتى داخل المنطقة. وهناك عدد من الأجواء المغلقة أمام شركات الطيران الخاص، مثل سوريا وإيران، وأجواء أخرى قد تكون مفتوحة نظرياً، ولكن لا أحد يقبل على الطيران فوقها.
ويقول مايك بيري المدير الإقليمي لشركة "إكزكيوجيت" إنه لا يتوقع عودة سريعة لانتعاش سوق الطيران الخاص في المنطقة، خصوصاً مع استمرار التوتر السياسي الحاصل حالياً، ولكنه يأمل بعودة تدريجية للاستقرار. وعلى رغم بقاء الشركة للعمل في المنطقة،فإنه يعترف أن مستوى النشاط أدنى بكثير عمّا كان عليه منذ عامين.
ويشير بيري إلى أن السوق في وضعها الحالي لا تدعم استمرار النشاط فيها، فلا أحد يرغب في استئجار الطائرات الخاصة أو حتى السفر الجوي في الوقت الحاضر. كما أن نشاط السياحة الترفيهية يتوجه في معظمه إلى خارج المنطقة، نحو أوروبا والشرق الأقصى، ويلجأ المسافرون إلى الطائرات التجارية ذات المدى البعيد. أما السفر الإقليمي لجهات مثل بيروت ومصر وتونس، فلم يعد الإقبال عليها كما كان.
ولجأت شركات الطيران الخاص إلى استخدام الطائرات الصغيرة لخفض التكاليف، ولكن هذا الخفض في الحجم كان معناة حاجة الطائرات إلى التوقف للتزود بالوقود في مطارات المنطقة، قبل استئناف بعض الرحلات. وأكد هذا التوجه أحد الطيارين المشاركين في معرض دبي الأخير للطيران، حيث قال إن شركته تقع في تركيا، وكان عليه الهبوط في شرم الشيخ للتزود بالوقود، قبل استنئاف الرحلة لعرض الطائرة في دبي.
ويؤدي قصر المدى إلى مشكلات من نوع آخر، حيث تتجنب الطائرات الخاصة الكثير من مطارات المنطقة، مثل بيروت. كما تتجنب تماماً الأجواء السورية بسبب النزاع المسلح فيها، وأجواء إيران بسبب العقوبات الدولية. وهذا يعني أن الطائرات الخاصة تحوّل مسارها في رحلات أطول للوصول إلى جهة السفر في المنطقة. وتضيف كل ساعة طيران لتكلفة الطائرة الخاصة نحو 600 دولار، وتصل إلى عدة مئات من الدولارات في الطائرات الأكبر حجماً.
وكان التأثير الملحوظ في حركة الملاحة الخاصة في المنطقة من الثورة المصرية في عام 2011، حيث كان السوق المصري يمثل نحو ربع الطيران الخاص في المنطقة. وتؤكد مصادر الصناعة أنها خسرت تماماً السوق المصري بعد الثورة.
ويقول خبير من شركة "ناس جيت" إن هؤلاء الذين كانوا يستخدمون الطائرات الخاصة في مصر هجر معظمهم البلاد وذهبوا إلى مواقع أخرى. أما الباقون داخل مصر، فهم يستخدمون الآن الطائرات التجارية بغرض عدم لفت الأنظار إلى ثرواتهم أو أسلوب حياتهم. ويضيف أن شركته تمكنت من الصمود للأزمة بتنويع مصادر الدخل والتوجه إلى تقديم خدمات الصيانة وقطع الغيار لشركات الطيران الأخرى.
من ناحية أخرى استفادت الشركات الأوروبية من متاعب الشرق الأوسط، بزيادة عدد رحلاتها إلى المنطقة، خصوصاً تلك المتوجهة من منطقة الخليج إلى لندن. وقال إحصاء نشرته شركة هوكر بيتشكرافت إن حجم الطيران الأوروبي الخاص من المنطقة إلى لندن زاد بنسبة 12 في المئة في العام الماضي.
وقالت الشركة إنها استخدمت إحصاءات من شركة "جيت نت" للطيران الخاص، وعللت النشاط المتزايد في الإقبال على لندن، بحجم الاستثمارات العربية في العاصمة البريطانية و بسبب المتاعب السياسية في المنطقة أيضاً. ويقع الاستثمار العربي في العقارات التجارية في لندن في المركز الثالث، بعد الاستثمار البريطاني المحلي والاستثمار الألماني.
والملاحظ أن زيادة رحلات الطيران الخاص إلى لندن من المنطقة مازالت متصاعدة في عام 2013، وبوتيرة أعلى منها في العام الماضي. وتمثل الطائرات الخاصة التي يستقلها العرب إلى لندن نسبة اثنين في المئة من جملة الطائرات الخاصة التي تهبط في بريطانيا. وتستخدم الطائرات الخاصة الكثير من المطارات الصغيرة القريبة من لندن، مثل سيتي وبيغن هيل وفارنبره.
وعلى المسرح الدولي تقول شركات تصنيع الطائرات الخاصة إنها ترى الضوء في نهاية النفق، مع زيادة الطلبيات على الطائرات الخاصة إلى عشرة آلاف طلبية من الآن وحتى نهاية عام 2020. وتصل تكلفة هذه الطلبيات إلى نحو 250 مليار دولار. وتعتقد الأسواق أن أفضل المبيعات سوف تكون في قطاع الطائرات الخاصة البعيدة المدى التي تستطيع أن تقطع المسافات من شنغهاي إلى نيويورك بلا توقف. وترى الشركات أن عليها نقل عدد أكبر من الخبراء لمسافات أبعد، لكي تنجح في أعمالها على المستوى الدولي.
وجاءت هذه التوقعات من شركة "هونيويل إنترناشيونال" في تقريرها عن حال الصناعة حتى نهاية العقد الحالي. ويقول تقرير الشركة إن أهم المتغيّرات المؤثرة في صناعة الطيران الخاص هو أن الولايات المتحدة لم تعد تقود السوق، لأن معظم النموّ يأتي من الأسواق الناشئة.
وقال رئيس الشركة روب ويلسون في تقديم التقرير إن المدى المتوسط سوف يشهد عودة لمعدلات النمو التاريخية، يساعدها في ذلك تكامل الاقتصاد الدولي وتكوين ثروات جديدة، خصوصاً في الدول الناشئة، بالإضافة إلى تقنيات متجددة في الصناعة.
وكشف التقرير عن أن خطط المشتريات في دول "بريك، مستمرة في قيادة تيار النموّ في العالم، وإن الطائرات ذات المقصورات الكبيرة سوف تشكل فيما بينها نسبة 40 في المئة من حجم السوق. ولكن مستويات النموّ هذا العام وخلال الأعوام القليلة المقبلة سوف يكون ضعيفاً ولن يزيد على تسعة في المئة سنوياّ.
وتفسر الشركة ذلك التوجه بالطبيعة الخاصة لتيار الانتعاش البطيء الحالي في الاقتصاد العالمي. وخلال هذه الفترة سوف تحقق الشركات معظم دخلها من التحول الهيكلي من الطائرات الصغيرة إلى الكبيرة ذات المدى الأطول.
ويضطر رجال الأعمال الآن إلى السفر إلى مناطق أبعد بحثاً عن النموّ وإضافة القيمة. والكلمة السحرية في عالم الطيران الخاص الدولي اليوم هي "المدى"، فالطيران لمدى أبعد يحتاج إلى وقود أكثر، وهذا يعني أجنحة أكبر حجماً (حيث يخزن الوقود) وهذا بدوره يعني مقصورة أكبر أيضاً. ويؤكد ويلسون أن من الطبيعي أن يحتاج المرء إلى مساحة أكبر أثناء رحلات الطيران الطويلة التي قد تمتد إلى 12 ساعة أحياناً.
وسوف يمثل هذا النوع من الطائرات الطويلة المدى نسبة 70 في المئة من الإنفاق على طائرات الأعمال الجديدة، وسوف يكون معظم النموّ خلال العقد المقبل في هذا النوع من الطائرات. وهي تمثل ثلث حجم السوق، من حيث عدد الطائرات وثلثي حجم السوق، من حيث القيمة.
وبالإضافة إلى التغيير المتوقع في السوق العالمي بتوجه في سوق الطائرات نحو الحجم الأكبر والمدى الأطول، هناك تغيير هيكلي إضافي أيضاً يكشفه التقرير. ففي الماضي كان السوق يتفاعل مع حجم أرباح الشركات الأميركية، بحيث يرتفع الطلب في حالات الانتعاش وارتفاع مستوى الأرباح، ويتراجع الطلب في حالات الكساد. هذه العلاقة المضطردة لم تعد من معالم السوق بعد ظهور الأسواق الناشئة التي تقتنص لنفسها نصف حجم السوق حالياً.
ولذلك لم يعد تأثير حجم أرباح الشركات الأميركية مؤثراً في المعادلة كما كانت الحال من قبل. وخلال العام الماضي تراجعت ربحية الشركات الأميركية بنسبة 1.9 في المئة، ولكن هذا التراجع لم ينعكس بدوره على طلبيات الطائرات الخاصة، لأن نموّ الأسواق الناشئة عوّض هذا التراجع.