طابعات "ثورية" تبتكر أجساماً ثلاثية الأبعاد
دبي-قصي المبارك:
شهدت تكنولوجيا الطباعة مؤخراً تطورات متسارعة جداً، فخلافاً للطابعات التقليدية التي يقتصر دورها على طباعة النصوص والرسوم الثنائية الأبعاد، شاع في الفترة الأخيرة انتشار طابعات متطورة يمكنها ابتكار أجسام ثلاثية الأبعاد مصمّمة بشكل مسبق، وتعتمد هذه الطابعات في الغالب على على مواد بلاستيكية ليّنة تتصلّب أثناء تراكمها في طبقات، لتشكيل الجسم المراد "طباعته"، وبالتالي تلعب هذه المواد هنا دور الأحبار السائلة في الطابعات التقليدية.
وظهرت فكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد لأول مرة عام 1980 إلى أن تم ابتكار أول طابعة ثلاثية الأبعاد عام 1984، من قبل الأمريكي "شوك هل Chuck Hull" الذي يُنسب إليه الفضل في ابتكار هذه التقنية الثورية، ولكن لم تتوافر الطابعات الثلاثية الأبعاد للاستهلاك التجاري حتى مطلع عام 2010. ومما يثير الاهتمام بهذه الطابعات المبتكرة هو كثرة استخداماتها في الحياة العملية، إذ يمكن توظيفها في مجالات الطب والصيدلة والصناعة.
وليس غريباً أن بعض هذه الطابعات قادرة على طباعة الأغذية - كالبيتزا مثلاً- بعد تلقيمها بالمواد الضرورية. ففي المجال الطبي مثلاً، تمكّن فريق جرّاحين بريطاني من الاعتماد على الطباعة الثلاثية الأبعاد، لترميم عظام الوجه لرجل تحطّم وجهه بشكل كبير إثر اصطدام دراجته النارية. فبالاعتماد على أبعاد الجهة غير المتضررة من وجه الرجل، أخذ الجراحون صورة عكسية لها لتصميم الجهة المتضررة من وجهه لترميمها.
واعتمد الأطباء على طباعة عظام بديلة من مادة التيتانيوم الطبية تمت طباعتها في بلجيكا آنذاك، حيث توجد واحدة من عدد محدود من مرافق الطباعة الثلاثية الأبعاد المتخصصة في العالم، وعُدّت الجراحة المنتظرة للرجل، باستخدام هذه التقنية الحديثة، اختراقاً علمياً وثورياً. وليس بعيداً عن الطب، كان لتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد أيضاً الفضل في إنهاء إعاقة بطة ولدت مشوّهة خَلقياً، بدون القدم اليسرى، مما حرمها المشي، إلى أن تبنّاها المواطن الأمريكي مايك غاري الذي أخذ على عاتقه مهمة البحث عن وسيلة لإنهاء معاناتها.
بعد مشوار طويل من العناء والبحث والدراسة، وجد غاري أن تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، هي الطريقة المُثلى لاستنساخ قدم صناعية للبطة المسكينة، عندها بدأ بالبحث عن بطة من الفصيلة نفسها والعمر نفسه، ثم قام بالتقاط صور مفصّلة لقدمها اليسرى، لتتم معالجتها بحيث تصبح جاهزة للطباعة، وبالفعل تمت طباعة القدم اليسرى من مادة السيليكون الليّنة، بدلاً من البلاستيك الصلب، ثم تم تثبيت القدم بجورب من مادة السيليكون على ساق البطة التي أصبحت قادرة على المشي، كما لو أنها تمتلك قدماً طبيعية. أما عن استخدام هذه التقنية في المجال الصناعي، فقد تمكنت إحدى الشركات الهندسية الأميركية من صناعة أول بندقية معدنية عبر الطباعة الثلاثية الأبعاد، وقد أُخضع ذلك السلاح لاختبار التهديف المتكرر بخمسين طلقة، وتمكّن من اجتيازه بنجاح، الأمر الذي يدل على مدى دقة الطابعة وإتقانها في طباعة البندقية. أما شركة "كيوب Cube" الأميركية، فعرضت مؤخراً، ضمن فعاليات أسبوع جيتكس للتقنية- دبي 2013، طابعتها المبتكرة "كيوبيفاي Cubify" التي يمكنها صناعة مجسّمات ثلاثية الأبعاد بعد تصميمها ونقلها إلى الطابعة. وتزود الشركة المصنعة لهذه الطابعة المستخدم عند شرائها ببرنامج خاص، يقوم بتحويل أي نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد إلى نمط تفهمه الطابعة، وهي تحتوي على منفذ USB يمكن من خلاله نقل هذه النماذج إلى الطابعة.
وبدلاً من الحبر في الطابعات العادية، تعتمد Cubify على بلاستيك سائل ينتقل عبر أنبوب صغير إلى رأس الطابعة الذي يقوم بتشكيل الجسم المراد طباعته، بإضافة البلاستيك تباعاً إليه في عملية بطيئة نسبياً قد تستغرق أكثر من ساعة، قياساً إلى الطابعات التقليدية. واللافت أن استخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد ليس محصوراً في الأرض، وإنما وصل استخدامها مبكراً إلى الفضاء، فوكالة الفضاء والطيران الأميركية "ناسا"، على سبيل المثال، تخطط لنقل طابعات ثلاثية الأبعاد إلى محطة الفضاء الدولية، لتمكّن رواد الفضاء هناك من طباعة ما يلزمهم من أدوات وأغذية، بدلاً من نقلها من الأرض، فالأنشطة الفضائية للوكالة مثل مراقبة الكويكبات وإرسال الرواد إلى خارج الأرض، تتطلب تقنيات مبتكرة تسهم في تخفيف وزن المواد المنقولة من الأرض إلى الفضاء.
وبالعودة إلى الأرض، وليس بعيداً عن طباعة الأغذية، يقول دافيد أرنولد مدير معهد الطهاة الفرنسي، إن تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد ستتيح تحضير أطعمة بأشكال ومذاقات يستحيل تحضيرها حالياً وستفتح أبواباً جديدة في مجال تزيين الأطعمة وتشكيلها، كأن نتمكّن مثلاً من قراءة نصوص مكتوبة ضمن قالب من الكعك بعد تقطيعه.
إذاً وبعد هذا الاستعراض لبعض الاستخدامات العملية لتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، فإنه من غير المستبعد أن نجد خلال أيام في كل منزل من منازلنا بضع طابعات ثلاثية الأبعاد، تحضّر إحداها الأطعمة في المطبخ، والثانية تنتج قطع تبديل للأثاث أوالسيارات، بينما الثالثة لتصنيع ألعاب الأطفال، بل ومن المحتمل أيضاً أن يتمكن كل واحد منّا من الاحتفاظ بنموذج ثلاثي الأبعاد، لأعضاء جسده المختلفة، وهي في أحسن حالاتها، ليتمكّن في وقت لاحق من تصنيع أي عضو قد يحتاج إلى استبداله.