السعودية ناهد طاهر: قدوتي .. كل رجل ناجح
علي المقبلي - جدة
كانت من أوئل الطالبات السعوديات المبتعثات للدراسة في الخارج، قبل عقود من الزمن، وتعدّ اليوم واحدة من أمهر السيدات المتعاملات بالأرقام في السعودية والعالم العربي، فمنذ أن بدأت مسيرتها في عالم الاقتصاد، استطاعت أن تحقق قدراً كبيراً من التعزيز لمهاراتها وقدراتها في مجال الاقتصاد والنظم المالية والمصرفية؛ إنها سيدة الأعمال السعودية الدكتورة ناهد طاهر المؤسّسة والرئيسة التنفيذية المشاركة، وعضو مجلس الادارة في بنك "جلف ون" التي نجحت في تحقيق العديد من الإنجازات، حتى أصبحت واحدة من أهم الأسماء التي يشار إليها في العالم. وقد توّجتها مجلة "فايننشال تايمز" ضمن قائمة أفضل 50 سيدة أعمال في العالم، وحصلت على المرتبة 73 ضمن 100 من اكثر السيدات نفوذاً في العالم. صنفت من السيدات المهنيات ممّن يتمتعن بمواهب ومهارات متميّزة، وأشجعهن على أن يظهرن قائداتٍ للغد.
تعدّ الدكتورة طاهر من الكفاءات الاكاديمية ذات الحضور المميّز في المجال الاقتصادي على المستوى المحلي، وهي مستشارة اقتصادية ورئيسة للدائرة الاقتصادية للبنك الاهلي التجاري سابقاً.عيّنت أول سعودي ترأس بنكاً استثمارياً خليجياً، ووصفها كثير من الاقتصاديين بأنها من اشهر المحللين في مجال الاقتصاد على النطاق المحلي، خاصة لحصولها على الدكتوراه من جامعة لانكستر في المملكة المتحدة، في مجال الاقتصادات النقدية والبنوك، وكذلك الاقتصادات الكلية والاقتصاد القياسي والاحصائي والاقتصاد الدولي.
تقول في حوارها مع "الرجل" إن والدها كان له الاثر الكبير في مسيرة حياتها، وتعدّ الرجل مكملاً لها في كل شي في الحياة. إلى تفاصيل الحوار:
* بداية ماذا يمثل الرجل في حياة ناهد طاهر ؟
إنه المكمل لي في كل شيء في في حياتي؛ فهو الشريك في العمل والصديق والأب والأخ والقريب في الأسره. لا أؤمن البتة بالتفرقه بين الجنسين، او التحيّز لأيّ منهما. خلقنا الله ليكمل أحدنا الآخر، وليس لينتصر طرف على طرف.
* من الرجل الذي كان له الاثر الأكبر في مسيرتك ؟
أبي محمد طاهر - رحمه الله - هو من استقيت حب الاقتصاد منه، ورأيت حب الوطن وخدمته في عينيه، وتعلمت الامانة والاخلاق، مع القوة في العمل من خلاله.
وبعد أبي كنت اقتدي بكل رجل ناجح ذي رؤيا ثاقبة في عالم المال والاقتصاد. ولا اسير على نهج احد ما أو اتطلع لتكرار شخصية بذاتها، بل أقتدي بأن اكون مختلفة ومبدعة بطريقتي.
* حدثينا عن مسيرتك العلمية ؟
مسيرتي العلمية حافلة بفضل الله من العلم الذي كنت، ومازلت، وسأظل ألتهمه بإذن الله الى اخر عمري. أحب العلم حب اشتياق مستدام. وحتى في عملي احرص أن أتعلم كل يوم شيئاً جديداً.
اكملت سنوات الدراسة الأولى في اوستن تكساس، في امريكا، بحكم دراسة والدي في تلك الفتره، ثم عدنا إلى الرياض بسبب عمل والدي في وزارة البترول، لمدة عام، ثم انتقلنا إلى الكويت لمدة سبع سنوات، حيث انتدب الوالد، ليكون رئيساً لمنظمة "أوابك" (منظمة الدول العربيه المصدرة للبترول)، وأتممت دراستي المتوسطه هناك ، ليصرّ ابي على العودة الي الوطن الحبيب لخدمته، فأكملت دراستي الثانوية، في "دار الحنان" وتخرجت من الأوائل على المملكة في دفعتي. بعد ذلك درست بكالوريوس الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز، وعُيّنت معيدة. ثم اكملت الماجستير وأنا على رأس عملي في الجامعة. بعد ذلك كنت اول المبتعثات من الجامعة الى الخارج، بعد أن اعيد فتح الابتعاث للسيدات. حصلت على الماجستير الثانية في الاقتصاد الدولي من جامعة لانكستر في بريطانيا، ثم الدكتوراه، وكانت بجائزة تفوق على مستوى جامعات بريطانيا كلها، وكان ذلك بفضل الله بصحبة ثلاثة من الأبناء تحت رعايتي منفردة.
* ومسيرتك العملية ؟
بعد حصولي على الدكتوراه، عدت الى المملكة، للتدريس مرة اخرى بجامعة المؤسّس لمدة ستة اشهر. بعدها عرض عليّ البنك الاهلي العمل في مقره الرئيس، وكنت أول امرأة بمنصب عال برتبة مستشارة اقتصادية، بين 4000 رجل في البنك. كانت فترة رائعة من العلم والخبرة، ووجدت كل الدعم من ادارة البنك وصانعي القرار في الدولة، للمضيّ قدماً في مجال المال والتمويل، والمساعدة في ادارة مخاطر المحافظ للعملاء والشركات. تجربة لا تقدّر بمال، بتوفيق الله ودعم ادارة البنك.
خلال تلك الفترة ايضاً، شاركت في انشاء شركات مع العائلة، في مجالات مختلفة، وكنت عضواً في مجالس ادارتها ومستشارة مالية لها. خلال تلك الفترة ايضا شاركت بوصفي متحدثة في كثير من المؤتمرات الاقتصادية المحلية والعالمية، عوضاً عن مشاركتي للكثير في الوفود التي انتدبتها المملكة في انحاء العالم، بعد احداث 11 سبتمبر / أيلول.
بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من العمل في البنك الأهلي، قررت ان اتخذ منحى آخر في عالم المال، رأيت ان الوطن بحاجة إليه، ولا تتوافر خدماته بالشكل المطلوب، وهو مجال البنوك الاستثمارية في البنية التحتية والصناعة والطاقة النظيفة والمتجددة.
كانت فكرة جريئة جداً في ذلك الوقت، آمنت بها وأقدمت عليها، لأن المملكة بدأت في ذلك الوقت بالتوجه بقوة نحو الخصخصة والتمويل المشترك مع القطاع الخاص، في قطاعات اقتصادية حيوية، مثل المياه والكهرباء والمطارات والتعليم والقطاع الصحّي وغيرها. عشقي للتحليل الاقتصادي والمعلومة الكبرى التي كانت حافزاً لي لإنشاء البنك آنذاك، هو ان المشروعات المطروحة في القطاعات الانتاجية في عام 2006، كانت تفوق قيمتها 1.5 تريليون دولار، وإذا اخذنا رأس المال المطلوب لتنفيذ هذه المشاريع، (بنسبة 40%) فقط كأعلى حدّ، يكون 600 مليار دولار، وما كان موجوداً في ذلك الوقت هو نحو 36 مليار دولار فقط من صناديق رأسمالية حكومية وخاصة، أي 10% فقط مما هو مطلوب. فالنقص كبير في الحاجات الرأسمالية عوضاً عن الضعف الشديد في الهيكلة المالية الاستثمارية، خاصة الطويلة الاجل منها، لتنفيذ هذه المشروعات. حيث اعتاد الاقتصاد السعودي قبلها على التمويل الحكومي المباشر لهذه المشروعات.
فأنشأت أول بنك متخصّص في تمويل البنية التحتية فقط في الشرق الاوسط، في البحرين بنك "جلف ون". لأن هيئة سوق المال لم تكن قد أسست في ذلك الوقت في المملكة. ثم أخذت ايضاً بدعم صانعي القرار، بعد فضل الله في المملكة، رخصة من هيئة سوق المال تحت مسمّى "جلف ون" كابيتال، وبعدها اخذنا رخصة للبنك في الكويت، ومن ثمّ في ميونيخ في المانيا.
* كنت اول سعودية ترأسين بنكاً استثمارياً، كيف هي التجربة؟
التجربة كانت – ومازالت - رائعة بحمدالله وإن كان فيها الكثير من الجهد الذهني، بالاضافة الى الجهد التمويلي الطويل المدى، ليتناسب مع طبيعة المشاريع، وطبيعة الاقتصاد السعودي واحتياجاته. المزج بين الطرق التمويلية العالمية في هذا المجالات ومتطلبات التمويل الاسلامي الحقيقي، من مشاركة ومضاربة وإيجار منتهٍ بالتمليك، بالاضافة الى احتياجات اقتصاد المملكة، مثلت لنا في البنك تحدياً عظيماً نجحنا – والحمد لله - في ايجاد معادلاته، وفقاً لكل مشروع وكل صفقة على حدة. كل صفقة نعقدها الى الآن تعدّ خطوة جديدة تحتاج الى معادلة جديدة لحلها قانونياً ومالياً واقتصادياً. لكن العزيمة والرؤيا الحكيمة للبنك وإدارته ومجلس الإدارة، والعمل خلية واحدة، بعد توفيق الله، تعدّ سرّ نجاح بنك "جلف ون".
كوني امرأة لم احسّ يوماً بأنه تحدّ، فبنكنا يعتمد على العقول الخلاقة وروح الفريق والخبرات المتنوّعة والعزيمة، لتحقيق النجاح اكثر بكثير من المال. جذب المستمرين للاستثمار في بنك "جلف ون"، يعدّ جديداً من نوعه في بلد ومنطقة كانت تعتمد في اقصادها على التمويل لقطاعات العقار والتجارة بنسبة تفوق الـ 90%. نحن بنك لا يموّل العقار او الاسهم. أهدافنا الرئيسة خلق الثروة، وليس ادارة المال فقط. ثلاثة اساسيات لا بدّ من توافرها في اي صفقة تمويلية في البنك: المشاركة في رأس المال وليس الاقراض، وخلق الوظائف التقنية وذات المهارات الانتاجية، وأن ننفذ المشروع بتقنية صديقة للبيئة. أهداف ممتعة ان تعمل في ظلها وتحقق مشروعاتك النجاح المتميّز بها.
* كيف نظر إليك المجتمع؟
المجتمع المحلي والدولي نظر اليّ بكل احترام، ووجدت كل الدعم بفضل الله من افراد وشركات وصانعي القرار محلياً وعالمياً. بنك "جلف ون" يعمل في ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وإفريقيا.
* هل شعرت يوماً ما بالفشل؟
كلمة الفشل لم اعرفها يوماً - والحمد لله - ولن اعرفها، فمعايير النجاح عندي مختلفة لا أعرف الفشل بإذن الله. من يعمل مع الله، وبالتعاون مع كل فرد ومؤسّسة في المجتمع، من اجل هدف جليل ومستدام، هذا سرّ نجاحي في عملي.
* ما الذي تطمحين إليه مستقبلاً؟
أطمح الى المزيد من العمل وتحقيق النجاح الاقتصادي والاجتماعي والعلمي لبلدنا الحبيب اولاً، وأن اكون جزءاً من النجاح للاقتصاد العالمي بشكل عام، بالتمويل والاخلاق الاسلامية الحقيقية.
كما اطمح من خلال عملي إلى التركيز على تمويل المشاريع البيئية، من خلال صناديق واستثمارات مختلفة في مشاريع تحويل النفايات الى طاقة، بالاضافة الى الاسهام في مشاريع زيادة كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة من مصادرها كافة. وبهذه المناسبة أصدرت كتاباً مع مؤلف شريك في مجال اقتصادات الطاقة والبيئة، سيتم حفل توقيعه قريباً جداً بإذن الله.
* كيف تقضين يومك ؟
أقضي يومي بين متطلبات العمل والأسرة والمجتمع. احب وطني وعملي وأسرتي فأقضيه بينهم.
* كيف توازنين بين أسرتك وعملك؟
هذه معادلة ليست صعبة ابداً، اذا ما أخذ في الحسبان نوعية الوقت وجودته، وليس كميته. فأنا اسعى إلى كمال الجودة في الوقت الدي أقضيه في عملي وبين اسرتي وفي مجتمعي. كما لا بدّ من الاستمتاع بوقت للقراءة والمعرفة يومياً.
* هل ترين أن المرأة السعودية، خصوصاً، والعربية، عموماً، حصلت على حقوقها أمام الرجل، أم أن الطريق ما زال طويلاً؟
لا احب حتى سماع هذه العبارات؛ فالمرأة هي نصف المجتمع، وديننا كرّمها فلم القلق؟ المرأة عليها ان تخوض العمل مثل الرجل بكفاءة وجدارة. الأهمية في عمل العقل وليس جنس الشخص. بلدنا ووطننا يحتاج إلى جهد كل فرد فيه، سواء كان رجلاً أو امرأة. كوني امرأة لا يعني انحيازي لها، لو لم تكن فعلاً جديرة بهذا العمل. التحديات الاجتماعية امام المرأة في مملكتنا اكبر من التحديات القانونية، وعلى المرأة نفسها ان تعمل جاهدة، بالتعاون مع مجتمعها ومؤسساتها لحلها.
عمل المرأة الآن اصبح حاجة اقتصادية وضرورية لحياتها، وليس شيئاً تكميلياً تتسلى به. كما ان استثمار المملكة في تعليم المرأة، وحصولها على درجات علمية متقدمة في مختلف التخصّصات، يشكل هدراً للثروة الاقتصادية، ان لم تتمّ الاستفادة منها وإفادتها. وأنا من خلال قراءاتي وخبرتي العملية، أرى ان نجاح المرأة في العمل، لا يعدّ منافساً للرجل، بل هو مكمل له، ويؤدي الى مضاعفة العوائد من العمل المشترك بينهما. المرأة وفقا لدراسة عالمية من جامعة هارفارد تقول إن أكثر من 75% من الشركات الناشئة التي نجحت في العالم، أسّستها سيدات. فالمرأة بطبيعة خلقها - سبحان الله - لها مهارات مكمّلة لمهارات الرجل. كل منهما يستطيع ان يبدع بما خلقه الله فيه. هناك تخصّصات تنجح فيها المرأة اكثر من الرجل والعكس صحيح. كما يمكن ان يتساويا في مجالات اخرى. حقوق المرأة تكتسب ولا تُعطى. قال تعالى {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}.
* ما آخر تصنيف حصلتِ عليه في قوائم الأكثر والأقوى تأثيراً بين النساء؟
حصلت على تصنيفات كثيرة بفضل الله، منها رقم 73 ضمن 100 من اكثر السيدات نفوذاً في العالم، في مجلة "فوربز" العالمية. ثم على المرتبة 25 و24و 23 لثلاث سنوات متتالية، ضمن افضل سيدات الأعمال في مجال المال والاعمال، في جريدة "فاينانشال تايمز" البريطانية المعروفة. كما كنت ضمن قائمة اكثر المديرين التنفيذيين قوة في "وول ستريت جورنال". وغير ذلك حصلت بفضل الله على الكثير من افضل التصنيفات العالمية. وقبل بضعة اشهر اختارتني جامعة لانكستر البريطانية، لتمنحني جائزة الطالبة المتميّزة غير العادية، ومنحتني قبلها بعام، درجة الاستاذية "بروفيسور" كذلك. هذا كله فخر لي اهديه إلى وطني وأسرتي.
* تقاريراقتصادية تصنفك بين أغنى عشر نساء في السعودية ؟
هذا غير صحيح ومبالغ فيه جداً. بالنسبة لي الثروة في العقل، وليست في المال. وأسأل الله أن يجعل المال الذي بين يديّ مسخّراً لخدمة المسلمين اقتصادياً.
* ما آخر منصب تشغلينه الآن؟
انا المؤسسة والرئيسة التنفيذية المشاركة، وعضو مجلس الادارة في بنك "جلف ون"، وأترأس بحكم عملي مجلس ادارة العديد من الشركات. بالاضافه الى كوني عضو مجلس ادارة في بعض الجامعات العالمية، أهمها جامعة IMD في سويسرا، وهي افضل جامعة اوروبية في مجال الأعمال.
* رؤيتك لمستقبل المرأه السعودية
رؤيتي لها رؤيا مشرقة، أسأل الله لها كل النجاح والتوفيق، في كل مجال تخوضه تقصد به خدمة الوطن والدين. وأقول لها وللرجل قوله تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم والمؤمنون}.