موضة "اللا جوارب"..بين الشدّ والجذب
ما أن تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع، حتى يسارع البعض بالتخلص من ربطة العنق والبدلة وكل ما يمت للرسمية بصلة، كما لو أن الحرارة تعطيهم التبرير الشرعي الذي ينتظرونه طوال السنة للانطلاق والانعتاق من كل القيود. في السنوات الأخيرة، شملت العملية التخلص من الجوارب أيضاً، وهي موضة كانت إلى عهد قريب ترتبط بشريحة معيّنة من الرجال، أغلبهم من النجوم، مثل الممثل جود لو وروجيه مور، بل حتى الروائي إرنست هيمنغواي الذي اشتهر بعدم حبه للجوارب، لكنها لربيع وصيف عام 2013، امتدت إلى شرائح أوسع، بعد أن استوى عودها على منصّات عروض الأزياء العالمية كلها، وبدون استثناء. وكان لا بد أن تنتقل من المنصّات إلى أرض الواقع، لتثير الكثير من الجدل بين مؤيّد ومستغرب.
عندما ظهر الممثل جوس هارتنيت في حفل خيري كبير مؤخراً ببدلة مفصلة وحذاء من "برادا" بدون جوارب، كان أول سؤال طُرح عليه هو لماذا استغنى عن الجوارب؟ للوهلة الأولى فوجئ بالسؤال، لكنه بعد ثوان، استجمع أفكاره وردّ قائلا: "لأنه الصيف، ولأنه مسموح لنا بذلك، ولأنني أريد التخفيف من الرسميةأيضاً". ثلاث نقاط مهمة لخّصت سبب انتعاش هذه الموضة في الآونة الأخيرة.
وإذا كان البعض لا يزال يتعامل مع هذه الموضة على أنها جديدة تحتاج إلى جرعة قوية من الثقة، فضلاً عن رغبة قوية في معانقتها تجعلهم يتغاضون عن مشكلاتها، فإنها في المناطق الاستوائية "أسلوب حياة تفرضه أحوال الطقس" كما يقول بيرسي ستاينهارت، صاحب ماركة "ستابس أند ووتون" الخاصة بأحذية المنتجعات الصيفية. يعلق أنه، بحكم أنه كبر في هافانا وبالم بيتش، تعوّد أن يرى الجميع من دون جوارب إلى حدّ أن العكس يبدو نشازاً وغير مقبول في نظره.
بيد أن اللافت هنا أنها لم تعد تقتصر على المظهر "الكاجوال" للأيام العادية وأزياء الإجازات، بل باتت ترافق البدلة الرسمية بشكل أضفى على هذه الأخيرة الكثير من الحيوية. حيوية تجمع بين الخفة والاناقة، بالإضافة إلى لمسة تمرّد خفية على الرموز الكلاسيكية التي حدت طويلاً من قدرة الرجل على التلاعب بالموضة والخروج عن قواعدها الصارمة.
وجدير بالذكر أن عدم ارتداء الجوارب مع بدلة، في عالم الموضة المتغيّر والباحث دوماً عن الجديد، ليس جديداً أو وليد موسم صيف 2013، إذ بدأها المصمم الأميركي، ثوم براون منذ سنوات وعانقها الشباب تحديداً بالإضافة إلى سكان الساحل الشرقي الأميركي.
بالنسبة للمصمّم ثوم براون، فإن عدم تقبل البعض لهذه الموضة، بحجّة أنها لا تتماشى مع أجواء المكاتب والمدن، يعود إلى عدم معرفتهم ببعض الخدع التي تمكنهم من الاستمتاع بها فقط. ويضيف أن السرّ الذي يكشفه لزبائنه هو استعمال جوارب قصيرة مثل تلك التي تُستعمل مع الحذاء الرياضي الخاص بالركض ولا تصل إلى الكاحل. فهي خفيّة من جهة، لكنها تساعد صاحبها على التعامل مع أي مشكلات يمكن أن تحصل بسبب التعرّق الذي يؤدي إلى احتكاك القدمين بالجلد في الصيف، من جهة ثانية. ويؤكد أنه لا يستعين بجوارب تصل إلى الركبة، إلا عندما يضطر إلى ذلك بسبب انخفاض درجات الحرارة في الشتاء.
ويبدو الإدمان على هذه الموضة لا يقتصر على المصمّم براون، بل بدأ يذيب مقاومة البعض الآخر مثل لوكا روبيناشي، الخيّاط المعروف، الذي يعدّ من أكثر الرجال أناقة في بريطانيا. فرغم أنه اعترف أنه لا يتقبل فكرتها مع بدلة رسمية ومع حذاء "أكسفورد"، فإنه لا يمانع إذا كان المظهر "كاجوال" مع بنطلون وسترة بلايزر، أو بدلة رياضية مع حذاء "موكاسان" أو "لوفر". فالمكان يفرض نفسه، كما يقول، كذلك المناسبة، لأن إطلالة من دون جوارب تصرخ بالإنطلاق والرغبة في التحرر من القيود اليومية، وهذا وحده يجعلها مناسبة للريفييرا والشواطئ أو لإجازات نهاية الأسبوع.
في المقابل، لا يوافق مصمم الأحذية المعروف، مانولو بلانيك، ثوم براون أو لوكا روبيناشي، الرأي، قائلا: "نعم أنا من الموالين لاستعمال الجوارب، ولا أستغنى عنها البتة، أينما كنت. الاستثناء الوحيد عندما ألبس صندلاً أو "إسبدريل" وهو أمر نادر جداً".
السبب عنده يعود إلى أن الجوارب إكسسوار قائم بحدّ ذاته، يتيح للرجل المجال للتعبير عن النفس والأسلوب الخاص، بفضل ألوانها المتنوعة التي تزيد البدلة حيوية عندما يظهر جزء بسيط منها. طبعاً المؤيدون لحملة "لا للجوارب" يقولون الشيء نفسه، فظهور الكاحل هو الآخر أسلوب للتعبير عن النفس والذوق الخاص. ولحسن الحظ فإن الموضة أصبحت ديموقراطية تحتفل بكل الأساليب. فكل شيء فيها جائز ما دام يريح صاحبه.
كادر:
-حتى في الأماكن التي أصبح فيها غياب الجوارب أمراً عادياً ومقبولاً، مثل الساحل الشرقي الأميركي، والريفييرا الفرنسية وكابري الإيطالية وغيرها، فإن تصميم الحذاء مهم وأساسيّ. حذاء "اللوفر" مثلاً يعني في الثقافة الأوروبية عموما والإيطالية خصوصاً، عدم استعمال الجوارب أياً يكن أسلوب البدلة، أو عمر صاحبها، بل وأياً يكن الفصل من السنة.
- أفضل الأوقات لمعانقة هذه الموضة قبل اشتداد حرارة الصيف، أي ما بين مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، وبين سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول. في شهر أغسطس/آب مثلاَ وعندما تكون حرارة الشمس في أوجها، فإن البعض يميل إلى ارتداء جوارب قصيرة وخفيّة للتغلب على مشكلة التعرّق وما ينتج عنه من احتكاك القدم مع الجلد.
-لا تخلو هذه الموضة من بعض المشكلات، مثل الرائحة الكريهة التي قد تنبعث من الحذاء بعد فترة. لتجنب الأمر، يفضّل عدم استعمال الحذاء نفسه يومياً ولفترات طويلة، لأنه يحتاج لفترة كي يجفّ ويستريح ويتنفس فيها. للتخفيف من هذه المشكلة، يمكن رشّه ببودرة التالك الخاصة بالأحذية قبل انتعاله حتى تمتصّ العرق من جهة، وتمنحك الراحة في المشي من جهة ثانية
-هناك جوارب قصيرة جداً خاصة بهذه الأحذية لا تراها العين، تمنحك الإطلالة التي تتوخّاها وفي الوقت ذاته تمنع التعرق، تعرف هذه الجوارب باسم "فانتاسميني" Fantasmini، ويفضل أن تكون من الصوف الخفيف عوض القطن، لأنه يتشرّب العرق أحسن.
-لا تحبّذ هذه الموضة في المكتب وأجواء العمل، إلا إذا كنت سيّدي الرجل تعمل في مجال إبداعي. أما في المناسبات الخاصة، فيمكنك الاستمتاع بها ما شئت باستثناء المناسبات الكبيرة مثلالحفلات الكبيرة والأعراس.
-القاعدة الذهبية في هذه الإطلالة أن يكون البنطال قصيراً بعض الشيء، حتى يظهر جزء بسيط من الكاحل، لكن هذا لا يعني أنه عليك تقصير كل بنطلوناتك لكي تواكب الموضة، لأن هناك حلاً أرخص وأسهل، وهو أن تثني البنطلون، على شرط أن يكون بتصميم مستقيم وليس ضيقاً.