نمير قيردار رئيس "انفستكورب".. رحلة تحول المهاجر العراقي الى مليونير
كان الطالب الشاب، نمير قيردار، يقف على مدرج مطار اسطنبول مع رهط من الطلاب بانتظار صديق شبابه، فيصل الثاني ملك العراق. كان الملك الشاب قد أبلغ نمير، قبل اسابيع، انه سيأتي ليقضي اجازة في البحر والتزلج على الماء. وامتدّ صف الشباب العراقيين، وبينهم طلاب يدرسون في اسطنبول طويلاً، وكان الطقس حارا.
مضى الوقت، والطائرة لم تصل في الموعد المقرر. وطال الانتظار قبل ان يُبلّغ مستقبلو الملك ان الطائرة لن تصل. وعاد الشاب نمير الى الفندق ليفاجأ بالاذاعات تنقل النبأ الصاعق. "انقلاب حصل في العراق بقيادة ضابط يدعى عبد الكريم قاسم، وان الانقلابيين قتلوا الاسرة المالكة بمن فيهم الملك وولي العهد".
حوار مع «بن باز»: بدأت موهبتي منذ الطفولة ووصل عدد متابعيَّ لـ 4 مليون
ذلك اليوم، هو الذي غيّر حياة نمير الى الابد.. إذ إن اسرة قيردار، التي تزعمت محافظة كركوك، كانت تربطها بالاسرة المالكة علاقات قوية تعود الى جد نمير، الذي كان عضوا في "مجلس المبعوثين"، ثم والده الذي كان نائباً في البرلمان العراقي. ورغم ذلك سعى نمير للاستمرار في حياته كالمعتاد، لو انه وجد نفسه وجهاً لوجه امام الوضع البعثي الذي بات يسيطر على بلاده، فقرر الهجرة الى اجل غير مسمى من البلد الذي احب.
منذ ذلك الحين، صب نمير غاية طموحه في مشروع وحيد تكرّس له قلباً وقالباً، هو "إنفستكورب". بعضهم قال عنه انه بنى في "إنفستكورب" الوطن الذي ضاع منه في 14 يوليو (تموز) 1958، وإن الامال التي اضطرمت في صدره على مقاعد الدراسة وفي عراق النهضة تحولت بكاملها الى رسالة عمر، هدفها بناء إنجاز يشير، حسب رأيه، الى ان هناك بالفعل "طريقاً آخر" أمامنا نحن العرب، وان التقهقر والسقوط على قارعة قافلة العصر ليس قدراً، بل هو نتيجة طبيعية للتقاعس وايديولوجيات جاهلة، ركزت في فترة حاسمة من تاريخ العرب على معاقبة خالقي الثروة، بدل تشجيعهم وفتح الطريق امامهم.
في هذا الحديث الشامل يلقي قيردار بنفسه، ولأول مرة، ضوءاً شاملاً على قناعاته السياسية والاقتصادية، وتحدث عمّا يعدّه الانجاز الحقيقي لـ "انفستكورب" في اطار الاستثمار وثقافة الاعمال العربية.
كيف دخلت ميدان الاعمال والمصارف؟ ولماذا؟
لو ان شخصاً جاءني في شبابي وقال لي انك ستنخرط مستقبلا في عالم المال والاعمال، لكنت قابلته بالسخرية وعدم التصديق؛ لانه لم يكن لديّ اي اهتمام بالمتاجرة والاعمال. لقد شببت في العراق الحديث - عراق ماقبل الانقلابات والانهيار- على الاهتمام بالخدمة العامة. وكنت واثقاً بأنني في طريقي لأخذ موقعي في مجال العمل في الدولة. فقد كان جدي نائباً في (مجلس المبعوثين) في اسطنبول عن ولاية كركوك. وكان والدي رحمه الله نائباً منتخباً عن كركوك في البرلمان العراقي. وجاء بعده اخي الاكبر نذير الذي كان نائباً عن كركوك، عند قيام الانقلاب المشؤوم عام 1958، الذي انهى تجربة بناء العراق مثل اي مجتمع متحضر، كان تدرجاً. وكان والدي الذي اتخذته دائماً مثالاً استهدي به الطريق الصحيح، سواء في الخدمة العامة ام السلوك الخاص، يشجعني منذ طفولتي على الاهتمام ببلدي ومستقبله.
اكبر صدمة هزّت كياني وغيّرت مجرى حياتي كانت انهيار العراق في يوليو (تموز) 1958. إذ إن 14 من ذلك الشهر كان، وسيبقى، اهم يوم في حياتي. وانا ما زلت اشعر بالغضب وانا ارى ما حل بذلك البلد العزيز الذي كان في طريقه ليصبح مركز اشعاع وتقدم في المنطقة بكاملها.
لقد بدأنا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء الكفاءات التقنية العالية اجيالاً طويلة، قبل تايوان وكوريا وغيرها. كما اننا كنا نعيش تجربة فريدة في بناء اسس الديمقراطية وحرية التعبير والمحاسبة الجادة للمسؤول، قبل أن تسمع كثير من الدول، خصوصاً النامية، حتى بكلمة الديمقراطية. كنا نعيش في دولة يتمتع فيها الجميع بالحقوق نفسها، بغض النظر عن اصلهم العرقي او معتقدهم الديني؛ اول وزير للمالية في العراق عام 1921 كان يهودياً ويدعى حسقيل ساسون. الوزارة كانت تحتوي على مسيحيين كاثوليك وشيعة وأكراد. ويمكن أن اروي قصصاً لا تحصى للتأكيد أن هذه لم تكن استثناءات. لقد كان ذلك هو العراق بكل بساطة.
ربما، وانا لا انكر ذلك، كان هناك الكثير من الاخطاء او التقصير، لكن اود ان اشير الى ان التوجه العام كان صحيحاً والنية صادقة ونزيهة لبناء مجتمع متقدم يحترم الانسان.
علاقتك بالملك فيصل والنهاية المأساوية التي تعرض لها تركت كما يبدو أثرا لا يمحى في تكوينك وفلسفتك؛ فإلى اي حد تأثرت؟
عرفت الملك فيصل منذ طفولته ولعبنا معاً. كنت اشعر بقدر لا يوصف من الاحترام والمحبة نحوه. كان شخصاً لامعاً، وكان بوسعه ان يكون حاكماً مستنيراً ومتعطشاً لإنجاز الكثير لبلده ومقتدرا في الوقت نفسه. واقولها بأمانة، وقد اصبحت الاسرة كلها في ذمة تاريخنا الدامي، انني لم اجد في تلك الاسرة سوى السموّ والاخلاص والنزاهة والاخلاق الرفيعة، والتزام حقيقي تجاه العراقيين على اختلاف انتماءاتهم. ولهذا فإني ما زلت اشعر بالولاء والاحترام نفسيهما نحوهم ونحو ذكراهم. وأنا مقتنع بأن تصفيتهم بالطريقة الوحشية التي تمت كانت أفظع كارثة حلت بالعراق الحديث. وفاتحة عهد مظلم ظالم في تاريخ بلدي. بل ربما كان من اهم العوامل التي أسهمت في الانهيارات المتوالية التي شهدتها المنطقة بأسرها.
هل اثرت تلك الاحداث وماتبعها في بلورة قناعاتك الاقتصادية؟
اشعر حقيقة بأن خلق الثروة هو اهم عامل في بناء الازدهار لأي اقتصاد. وخلق الثروة لا يأتي الا من المبادرة الشخصية. وهذه الثروة الخلاقة تميل، على عكس الثروة العقيمة، الى التوسع عن طريق المزيد من الاستثمار واستخدام الطاقات. هذه هي الديناميكية التي صنعت التقدم الاقتصادي في كل المجتمعات التي نجحت. وفي هذه المجتمعات يصنّف خالقو الثروة بأنهم النخبة الحقيقية، ويأتون في قمة الترتيب الاجتماعي ويستمع الى آرائهم، حيث انهم يخلقون فرص العمل ويزيدون الانتاج والرفاهية للمجتمع.
في مجتمعنا الامر مختلف، لأن الثروة هنا، او معظمها ينبع من جوف الارض، وهي تعود الى الحكومة. الحكومة هي مصدر الثروة. وفي هذا المناخ فإن رجل الاعمال يحاول الحصول تحت مظلة الحكومة على حصة، وهو لذلك يميل لأن يتبع لا ان يقود.
اكبر كارثة حلت بالمنطقة هي التأميمات، والفترة التي شهدت معاقبة خالقي الثروة، بمصادرة ثمرة عملهم ومبادراتهم وابتكاراتهم. فقد ادى ذلك الى قتل الحوافز وانتزاع القلب من المؤسسات التي أُمّمت محولاً اياها الى جثث بلا روح وعالة على الدولة. وليس من قبيل المصادفة ان تكون كل الحكومات التي لجأت الى التأميم دولاً مدينة تعاني اكثر من غيرها من مصاعب اقتصادية جمة، بعد ان كانت دولاً اكثر ثراء وازدهاراً من قبل.
لهذا فإني من اشد انصار المبادرة الفردية وتحرير الاقتصاد من كل القيود وتعميم الملكية الخاصة في جميع وسائل الانتاج. فهذا هو الحل الامثل لبناء اقتصاد فعال ومتين ومزدهر. فإذا اردنا ان نتقدم في هذا الجزء من العالم، علينا ان نترك امر قيادة الاقتصاد للتجارة الحرة ورجل الاعمال. وفي الوقت نفسه، على رجل الاعمال ان يتطور من مجرد منتفع أناني، همه الوحيد خلق الثروة الخاصة لنفسه، الى قبول مسؤولية بناء المؤسسات ومن ثمّ تعميم النفع. ان مكانة رجل الاعمال لا تأتي من حجم ثروته بل الطريقة التي يستخدمها بها، في نطاق الجماعة التي ينتمي اليها.
كانت هذه قناعتي على الدوام ومنذ كنت شاباً يافعاً. وأذكر اني عندما كنت طالبا، واجهت مرحلة كانت فيها "الموضة" ان تكون "ثورياً اشتراكياً" وان تدعو الى التأميم ومعاقبة خالقي الثروة. وكنت يومها اشعر بالاسى واليأس وانا اشهد تعاظم الموجة. وادى ذلك الى صدام مع معظم زملائي، وعزلتي اذ لم يكن معي في مواجهة مئة وخمسين طالباً عربياً سوى زميلين او ثلاثة. وأذكر اني كنت انفق الوقت الطويل على مناظرة تلك الاراء.
اني اعتقد ان الذين امروا بالتأميمات اما انهم كانوا جاهلين حمقى، واما كانوا يشكون من عقد وامراض نفسية، واما الاثنين معاً وهو الارجح.
كيف تطبق مبادئك وقناعاتك هذه على انفستكورب؟
وجود انفستكورب هو مثل بسيط على اهمية الحافز الشخصي للابداع. ففي انفستكورب كان همي دائما ان ارى الافراد العاملين يخلقون الثروة للمؤسسة ولأنفسهم ايضاً، ويعملون بمنتهى النزاهة والتفاني والاخلاص. وهكذا وضعنا نظاماً ينظم امتلاك اعضاء الفريق العامل لحصص في البنك، مع نظام للعلاوات والمكافآت، يجعل اي مصرفي في انفستكورب يعمل كما لو انه رجل اعمال له مصلحته شريكاً وليس موظفاً. وهؤلاء هم الذين يقررون في اي وقت يأتون الى مكتبهم وفي اي وقت يغادرونه. كما يقررون ترتيبات سفرهم، وما الذي يحتاجون إليه.. الخ. الحساب الوحيد الذي يحتاجون الى تقديمه هو ما يحققون من نتائج، والمحافظة على اعلى مستوى من الصدق والاخلاص في العمل وروح الفريق.
انا لا اؤمن بفكرة "التضحية"، هذا نفاق، لأنه لا احد يعمل من دون حوافز. لا احد يقدم على بذل الجهد الا مدفوعاً برغبة في الانجاز. المهم هو الاعتراف بقوة هذا الدافع وتهذيبه، اي جعله يعمل في اطار الفريق وعلى اعلى مستوى من الوضوح والامانة والدقة.
حدثنا عن تأسيس انفستكورب، والصعوبات التي واجهتكم، لا سيما أن المشروع طرح في ظروف من البلبلة المالية، وتبعه بروز ازمة سوق المناخ في الكويت واندلاع الحرب بين إيران والعراق.
فكرة انفستكورب بدأت عام 1980. وفي عام 1981 كانت قد تحولت الى مشروع جدي. وفي عام 1982 طرحنا الشركة في السوق.
هناك عاملان أثرا في ولادة المشروع:
الاول، تجربتي - مصرفياً في نيوورك - فقد كنت الاحظ كيف انحدرت شركات عريقة وذات قيمة وأصول تجارية واسم ممتاز، وضعفت بسبب ان الجد المؤسس غاب وحل محله احفاد وورثة ليسوا مهتمين بالدرجة نفسها بالحفاظ على الشركة ناهيك بتطويرها. وهذه الشركات، وإداراتها، كانت في حاجة ماسة الى التمويل وحليف قوي يؤمن بمستقبلها لكي تنمو وتزدهر مجدداً.
العامل الثاني، كان تجربتي العربية مسؤولاً عن عمليات "تشيس منهاتن بنك" في الخليج. هناك وجدت كثيراً من المستثمرين الذين يمتلكون سيولة كبيرة ويبحثون عن منافذ استثمار وعن واسطة يثقون بها.
لقد كان الامر واضحاً للغاية في نظري، وهو ان المنطقة تحتاج الى مؤسسة محترفة تستقطب كفاءات عالية وتستطيع بفضل ذلك التوسط بين تلك الشركات الغربية التي تحتوي قيمة مستقبلية كبيرة، لكن تحتاج الى سيولة آنية، والمستثمر العربي الباحث عن منافذ استثمارية جيدة وفي اسواق آمنة.
بالطبع منذ تأسيس انفستكورب تلاحقت المشكلات في المنطقة، من ازمة المناخ الى تراجع اسعار النفط، الى حرب ايران ثم غزو الكويت. لكن كان هناك التصميم، وبنية الفريق المتضامن والعمل الدؤوب، وهذا اعطى ثماره. ونظراً لأننا انطلقنا بقاعدة صغيرة وفي سوق كبير، فإن حصتنا من سوق المنطقة نمت بطبيعة الحال، وهذا في وقت كانت حصة اللاعبين الدوليين تتراجع نسبياً. وأكثر ما يلفت هنا، هو ان اداءنا كان متماسكاً رغم التقلبات في ظروف السوق والسيولة. اذ منذ السنة الاولى واظب انفستكورب على توزيع 15% ربحا على رأس المال على مساهميه. بذلك يكون اي مساهم بدأ معنا عام 1982 قد استرد رأسماله المدفوع مرة ونصف المرة، في وقت ارتفعت فيه حقوقه كمساهم، نحو 5 اضعاف في ثماني سنوات فقط، اذ قفزت من 100 مليون دولار عام 1986 الى 556,3 مليون دولار في عام 1994.
هل يمكن القول إن عملية شراء تيفاني ونجاحها اللافت هي التي وضعت بنك انفستكورب على الخارطة وأبرزته لأول مرة لاعباً جدياً؟
تيفاني كانت مفارقة طريفة، لأنها قد تكون أنجح عملية في تاريخ انفستكورب، لكنها كانت أكثر عملية تعرضت بسببها لهجمات وانتقادات خصوصاً من البنوك وسق المال. لقد كنا نجول من بنك لبنك بحثاً عن تمويل العملية. وكان الجواب: هذه عملية خرقاء ولا جدوى منها. وكان بعضهم وبينهم مصرفيون كبار يتصلون ويقولون لي: نمير، كيف ارتكبت هذا الخطأ؟ وبطبيعة الحال بدأ مساهمونا يعتريهم القلق ويسألونني لماذا اشترينا تيفاني؟ وكان مساهمونا بالطبع متأثرين بما كان يكتب في الصحف، وما كان يردده لهم مصرفيون غربيون يعرفونهم شحصياً.. كنا متأكدين أن الشركة تحتوي على قيمة مخبأة وطاقة نموّ، رغم أنها في ذلك الوقت لم تكن تحقق عائداً. كانت المسألة تتطب وقتاً، وكنا على ثقة بأن الثمرة ستكون جيدة. وقد كانت بالفعل، لأن تيفاني دخلت عام 1984 في سجلاتنا كأنجح هكلية اطلاقاً. المهم أننا تعرضنا للحملة في وقت لم تكن لدينا القوة والصدقية التي لدينا الآن. وهذا وحده يقدم فكرة أننا كنا كفريق نعرف ماذا نريد وكانت لدينا الصلابة للمضي في ما كنا متأكدين أنه عملية جيدة بغض النظر عمّا يردده الآخرون. وهذا هو التعريف المختصر للتميز القيادي الذي لا تثنيه لومة لائم.
• أنت نشط في حقل نادراً ما يستقطب اهتمام رجال الأعمال وهو الحقل الأكاديمي والأبحاث؛ فما الأدوار التي تقوم بها في هذا الحقل؟
أنا الآن عضو في مجلس أمناء معهد "كندي" لشؤون الحكم في جامعة هارفرد. وكذلك عضو مجلس أمناء معهد الشؤون الخارجية في جامعة "جورج تاون". وفي إطار المعهد هناك مركز للدراسات العربية المعاصرة، وأنا رئيس مجلس أمناء ذلك المعهد. وبهذه الصفة فإننا نجتمع مرتين في السنة. و نشرنا حتى الآن عدداً كبيراً من الأبحاث والكتب. وأتعاون كذلك مع معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن. وهذه تتبع لها مجموعات عدة، منها مجموعة تدعى "مجموعة المستشارين الدوليين" وأنا عضو في مجلس هذه المجموعة التي يرأسها الدكتور هنري كيسنغر، وتضم رؤساء شركات كبرى من أمريكا وأوروبا واليابان. أنا عضو مجلس إدارة معهد الشؤون الدولية لجامعة "كولومبيا" في نيويورك. وأعمل كذلك، مع جامعة "فوردم"، عضواً في مجلس أمنائها. وعضو في مجلس إدارة المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينعقد سنوياً في "دافوس" في سويسرا ويستقطب رؤساء حكومات ومسؤولي الاقتصاد والمال في كثير من الدول، كما يستقطب قادة الشركات العالمية. أخيراً، أنا عضو في مجلس أمنا زمالة "إيزنهاور" الذي يرأسه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ونجتمع ليوم كامل مرة على الأقل في السنة.
• هذه المناصب مجتمعة لا بدّ أن تأخذ منك وقتاً وجهداً، فكيف ولماذا دخلت هذه الحقول؟
هناك ميزات عديدة لمثل هذه النشاطات، أهمها أنك تلتقي أشخاصاً استثنائيين يتمتعون بالحكمة والخبرة الواسعة. كما أن نظرتهم للأمور شاملة وكونية. وهناك لذلك الكثير الذي يمكنك تعلمه واستلهامه من الاحتكاك بهم والاستماع إليهم. الفائدة الأخرى هي أن يتاح لك الاطلاع على الطريقة التي يفكر بها هؤلاء خارج النطاق اليومي لأعمالهم، وكيف يسهمون في مجتمعاتهم، وهذا أيضاً حقل تعلم واكتساب. أخيراً، إذا كان ذلك يتيح لي تقديم صورة إيجابية عن بيئتنا وبلداننا، وإذا أتاخ لي أن أزيل بعض الأفكار المسبقة أو الخاطئة، فإنني بذلك أكون قدمت خدمة متواضعة. وأشدد هنا على أن العمل في هذا المجال يتطلب قدرة على الإسهام الحقيقي ووقتاً كثيراً وجهداً وفيراً.
ما مستقبل انفستكورب بعد نمير قيردار؟
هذا امر لا اعرفه الآن. لكن انفستكورب اصبحت مؤسسة فيها من المصالح المشتركة وديناميكية الفريق، ما يجعل من الصعب جداً العودة الى الوراء. حتى انا لا استطيع تغيير الوضع القائم. ولا احد يمكن ان يبدل الوضع، ليس لان الوعي المؤسسي والمصالح المؤسسية موجودة فقط، بل لأن للمؤسسة تركيبة عضوية، وحيث طرق العمل واتخاذ القرارات مصممة كلها لإدامتها على حساب اي نزعات فردية.
كيف تقيم أداء انفستكورب لمساهميها ومستثمريها؟
الاداء الذي اشدد عليه دائماً، ليس هذه النسبة المئوية او تلك. الذين يتحدثون ويعدون بهذه النسبة او تلك يعدون في الحقيقة بما لا طاقة لهم بتنفيذه، ولا يقدمون خدمة للمستثمر، بل يريدون الحصول على ماله. ميزتنا في انقستكورب اننا لا نضمن لأي كان اداء محدداً، ولا ندخل اي استثمار ما لم نكن قد درسناه بعناية فائقة. ورغم أننا وفرنا اداء جيداً، فإنني اكرر دائماً ان مسؤوليتنا الاساسية ليست ان نعطيك 20 في المئة او 30 في المئة، بل ان نقول لك ما يلي: اذا وضعت استثماراً صغيراً معنا، فإننا سنبذل اقصى طاقتنا لتنميته وحمايته، وقد ينجح هذا الاستثمار او لا ينجح، لكن بإمكانك ان تطمئن الى اننا قادرون على الاهتمام به اكثر منك، لأن لدينا الامكانات والخبرات للقيام بذلك.
نحن لسنا مضاربين او مقامرين، اذا كان احد يعتقد انه قادر على تحقيق ارباح خيالية فليعملها بنفسه، لأنه لا يحتاج الينا في ذلك.
اشتريتم منذ ثلاثة اعوام سلسلة محلات ساكس فيفث افنيو. فهل تتوقع نهاية سعيدة لهذه الصفقة؟
لا اريد التكهن بالمستقبل، سأحدثك عن الواقع الحالي، وهو ان ساكس في وضع جيد جداً، وقد حققت نتائج جيدة عام 1993 ونتائج ممتازة عام 1994، وهي تحقق نتائج مشجعة هذا العام. فإذا استمر اداؤها على هذا النحو عام 1996 فستكون لدينا ورقة رابحة، ولن يطول الوقت قبل ان نطرحها في البورصة. وكما هو معلوم فإن السوق تتوقع عادة وجود سجل اداء جيد لثلاث سنوات متواصلة على الاقل، لكي ترحب بطرح شركة في البورصة.
هل بدأت شخصياً بالتفكير في مرحلة ما بعد انفستكورب؟
مادام مجلس الإدارة وبقية الزملاء يريدون مني البقاء، وما دمت في صحة جيدة، فإنه لا توجد لدي نية في التخلي عن مسؤولياتي في الوقت الحاضر. بالطبع لكل وظيفة عمرها أو حقبتها الزمنية، وأنا الا أومن بديمومة الوظائف. لهذا سيأتي يوم يصبح بإمكان شخص آخر القيام بهذه المهمة أفضل مني، عندها سأتنحّى جانباً ويتسلم هو المسؤولية. ونحن في انفسكتورب مؤسسة بالمعنى الحقيقي. وهكذا يتم انتقال المسؤولية في المؤسسات. خارج هذا النطاق فإن لدي اهتمامات عدة أرى أنها تضيف إلى قوة انفستكورب. إذ إنني كما أوضحت سابقاً عضو في عدد من المنابر الجامعية والعلمية الدولية. وبصفتي هذه فإني التقي شخصيات مهمة وأحصل على معلومات مهمة جداً لعملنا الفكري، فضلا عن تطويري شخصياً.
لذلك لو سألتني ما الذي قد أفكر في عمله بعد ترك انفستكورب، فإني سأجيب أولاً بأني لن أمارس دور رجل أعمال، بل سأتوجه إلى صرف وقت وجهد أكبر في المجال الجامعي ودعم الأبحاث والشأن العام. ما زلت أعتقد أن هناك في الحياة قيما وأهدافاً تتجاوز مجرد بناء أثر مادي. وأنا أحدث هنا كـ "مواطن دولي".
هل تعتقد أن تجربة انفستكورب قابلة للتكرار؟ وهل كان للبحرين دور خاص في نجاحكم؟
هل انفستكورب قابلة للتكرار؟ جوابي هو نعم. لأن "الوصفة" غير معقدة كما يعتقد البعض. المسألة كلها تكمن في القدرة على استقطاب المهارات والكفاءات وتوليد ديناميكية الفريق، حيث يصبح كل فرد مقتنعاً فعلاً بأن مصلحته لا تنفصل عن نجاح الفريق والعكس صحيح.
أما الجواب عن الشق الثاني، فإني أو أن أؤكد أن دور البحرين وحكومة البحرين كنا في غاية الأهمية في مجال تشجيع قيام انفستكورب، وتوفير مناخ النجاح القانوني والمالي والإداري له. لقد حصلنا، منذ اللحظة الأولى، على دعم غير محدود على كل الصُّعُد. ومن القمة إلى القاعدة كانت الأبواب مفتوحة على الدوام. رئيس الوزراء شرفنا بزيارة مكاتب البنك مرتين على سبيل الدعم، وجلب معه أعضاء الوزارة بكاملهم وأمضى وقتاً، وتجول في المبنى وتعرف إلى كل العاملين. هناك بالطبع المجتمع البحريني المشهور بالانفتاح والمحبة والتسامح، وبنظام التعليم المتقدم، الذي يوفر مساحة واسعة من الحرية تجعل البحرين جذابة جداً لاستضافة نوعية الكادرات التي تعمل معنا وأسرها. هناك واقعة شخصية أعتزّ بها وهي أني أعيش في البحرين منذ نحو 17 عاماً. وبذلك أكون قد عشت كرجل بالغ في هذا البلد أكثر من أي بلد آخر على الإطلاق.