الشارب عند عرب اليوم .. رجولة ام موضة ؟
الشارب والرجولة ..علاقة معقدة غير واضحة المعالم. الشارب يتم ربطه بالرجولة لكونه من علامات البلوغ، فالذكر يفرح بظهور شاربه لأن ذلك يعني أنه ينتقل من مرحلة الطفولة الى مرحلة المراهقة فالنضوج.
الشارب عند العرب لطالما دل على الرجولة، وكان مصدر للفخر والتبجح وكان أحياناً دليل الصدق والوفاء بالوعود فجملة «خذها من هذا الشارب» أزلية. الشوارب في عدد من الدول العربية ما تزال لها أهميتها وكانتها، خصوصاً في بعض مناطق مصر والشام والعراق والاردن فتجد بأن حلاقتها من الأمور المعيبة الى حد ما. لكن الكثير تبدل وتعدل خصوصاً مع رواج موضة اللحى ومع إعتبار الشارب من الأنماط القديمة التي تجعل الشخص يبدو وكأنه خرج للتو من كتاب التاريخ، ناهيك عن واقع إعتبار أن حلاقة الشارب واللحية أصبحت.. نظافة وأناقة.
فماذا تعني هذه التبدلات بالنسبة للرجولة ؟
الشارب تاريخياً
كل شعرة نمت فوق شفاه الرجال خدمت هدفها خلال مسار التاريخ فهو لطالما كانت المؤشر على كونه حاملها يملك معدلات عالية من التستوستيرون وعليه «عينة» يمكنها التكاثر. أول حالة معروفة لرجل كان يملك شاربين تعود الى تاريخ ٣٠٠ قبل الميلاد وهي صورة لخيال كان من السهوب الأوراسية. لكن رحلة الشوارب تاريخياً مرت بالكثير من التقلبات، فكانت كانت تهيمن وطوراً كانت تختفي وبما أنها محطات عديدة جداً فلن ندخل في تفاصيلها وسنقفز مباشرة للعصور الحديث. الشارب في هذه المرحلة و خصوصاً في العالم العربي إرتبط بالمكانة الإجتماعية والمال والنفوذ، بينما في الغرب تحول من رمز للقوة الى رمز للشر والشغب.
الشارب لعب دوراً كبيراً في إستمرارية البشر.. فالشارب من الناحية البيولوجية دليل على معدل التستوستيرون كما سبق وذكرنا . الأمر وفق علماء الاجتماع يمكن مقارنته بريش الطاووس، فالطاووس يجذب الأنثى من خلال إستعراضه لريشه وبالتالي تحدث عملية التكاثر. كذلك هي الحال بالنسبة، فالرجل الذي يعرض الشارب الأفضل والأكثر كثافة كان ينتهي به الأمر مع إمرأة مميزة.
الشارب عند العرب
لا يوجد ما يدل على أهمية الشارب عند العرب قديماً لا شكلاً ولا مضموناً. فتراث الشعر قبل الإسلام لا يتضمن قصيدة تتحدث عن الشوارب بل كانت رموز الشجاعة والرجولة والصدق والإخلاص مرتبطة بالحصان والسيف والنسب.
لاحقاً حث الإسلام على حلق الشوارب، ورغم إختلاف أهل العلم في السنة المستحبة للشارب إلا ان الاختلاف يتراوح بين حلق كامل وبين قص له وعليه فإن الإطالة لا أهمية لها على الإطلاق لا في عصر الجاهلية ولا في عصر صدر الإسلام .
وفق المسار التاريخي فإن إهتمام العرب بالشوارب بدأ إبان الحكم العثماني للعالم العربي. فالأتراك كانوا يعتمدون موديل ويلهيلم للشارب وهو النوع الذي تتجه اطرافه الى أعلى بعد أن تأثروا بشارب الامبراطور الالماني ويليهيلم الثاني .
وبما أن العثماني كان المهيمن المسيطر فإن شاربه الذي يتميز به عن غيره من العرب كان علامته الفارقة التي تصنفه كالأقوى. حينها بدأ الإهتمام العربي بالشارب وإطلاقه وربطه بصفات القوة .
الشارب في عصر «اللا شارب»
رغم أن إرتباط الشارب بالرجولة والقوة لم يكن جزءاً عربياً أصيلاً من ثقافتنا لكنه وعلى مر السنوات تحول ليصبح مورثاً إجتماعياً. الرجل هو من يملك الشارب ومن يحلقه يخالف العرف والعادات. لكن ما حصل لاحقاً هو تأثر قيمة الشارب بتدهور القيم الإجتماعية وإختلافها وإبتعادها عما كان يصنف كثوابت أخلاقية يمنع على احد تجاوزها. وعليه لم يعد صاحب الشارب يلتزم بما يمثله بل باتت الوعود الفارغة تطلق وأصبح الحلفان بالشنب سمة المنافقين. وبالتالي وعلى مر السنوات فقد الشارب قيمته ولم يعد يتم ربطه بأي من الصفات الإيجابية.
تطور المجتمع وإنفتاحه لعب دوره في إفقاد الشارب قيمته، فرجل من «عصر الشارب» هو السي سيد الذي لا يتحكم بالمرأة فحسب يمكن إعتباره بسهولة معنف للنساء. رجل عصر الشارب أيضاً يصنف على أنه يملك عقلية منغلقة «متخلفة» لا تريدها أي إمرأة في الرجل الذي ترتبط به.
نقطة إضافية ساهمت في إفقاد الشارب هيبته هو أن الأجيال الجديدة دائماً ما تتمرد على تلك التي تسبقها، فالجيل الحالي يربط الشارب بصورة الجد أو الأب وبأنماط تفكيرهم وحياتهم التي لا يريدونها لأنفسهم.
لناحية الموضة وخلال السنوات الماضية فإن اللحى هي التي هيمنت ليس فقط في العالم العربي بل في العالم بأسره وباتت هي من رموز الفحولة والرجولة.
ولسخرية الأقدار وعوداً على بدء فإن الأتراك أعادوا مجدداً موضة الشارب الى العالم العربي. فمع الهووس الكبير بالمسلسلات التركية عادت الشوارب لتفرض نفسها، وإنما هذه المرة بلا مضمون رجولي يذكر، بل مجرد تقليد أعمى.
في المحصلة فإن الشارب لم يكن له أهميته قديماً عند العرب لكنه في مرحلة ما كان رمزاً للشهامة والرجولة والقوة ليعود ويصبح مجدداً بلا أهمية تذكر. والمثير للإهتمام أنه في عصرنا الحالي يعتبر الرجل الذي يبالغ بإطالة شاربه بأنه يعاني من نقص ما، في رجولته، وبالتالي يحاول التعويض من خلال إستعراض شاربه.