السباق نحو الأعماق في عالم الساعات
سباق الاعماق في عالم الساعات
"بدلاً من النظر إلى الأسفل.. اقتن خوذة وانطلق نحو العالم.. ابدأ بخوض مغامرات تستكشف فيها الأدغال وقمم الجبال.. وانسج بنفسك قصصاً مشوقة لا يصدقها عقل الانسان." وليام بيبي - 1934
لطالما سحرت أسرار المحيط البشر، وعلى مدى آلاف السنين وفضول البشر ورغبتهم في الحصول على المزيد المعرفة لم يتلاشى على الرغم من التحديات والمخاطر.
وقال جاك كوستو: "يصبح الرجل تحت الماء كملاك يمتلك القدرة على التحرك في كافة الاتجاهات". وفي التاريخ الحديث فإنّ الأجهزة الثورية مكنت البشر من التحليق عالياً إلى أحلك العوالم وأكثرها غموضاً وقد مثل ذلك لهم منبعاً للإلهام والابداع. وعند النظر إلى الجيل السابق من العلماء والمستكشفين والمخترعين وصائدي الكنوز والجنود العسكريين وما تجاوزوه من عوائق في سباقهم نو الأعماق فإن ذلك يمثل مصدر ألهام كبير.
وبالنسبة للروائي الفرنيس الشهير، فإن أعماق المحيط تطلق العنان للخيال، حيث كتب جولز فيرني روايته الأيقونية " 20,000 فرسخ تحت البحر" بعد رؤية أول بدلة غوص صنعت في العام 1864 علي يدي كل من بينوا روكايرول وأوجست دينايروز. وقد شكل هذا الابتكار الحائز على ميدالية ذهبية مصدر إلهام لجولز فيرني، وقد ذكرت قصته تحديداً نظام روكايرول ودينايروز ووضع النظرية حول الخطوة الحتمية التالية وهي التوقف عن الاعتماد على إمدادات الهواء من السطح. وتساءل إذا ما سيتم التغلب هذا التحدي.
ولم يكن الأدب هو المجال الوحيد الذي تناول امكانيات المحيط، بل أنه هنالك العديد من الصناعات الأخرى التي وفرت الفرص والإلهام. ففي مجال الطب، قاد اهتمام الطبيب جون سكون هالدينز في الغوص إلى اختراعات رائدة في مجال أعراض انخفاض الضغط. وفي العام 1910 أصبح العالم على دراية أكبر بتأثير أعماق البحار والغازات الطبيعية المتواجدة في جسم الانسان. وقد كان ذلك العائق الوحيد أمام تمكن الانسان في الغوص لأبعاد أكثر عمقاً في المحيط، وعبر القيام بإعداد أول جدول غوص، وضع هالداين الخطوات الأولى في جعل الغوص أكثر أماناً.
وحتى بالنسبة لعالم صناعة الساعات، فقد مثلت أعماق المحيطات مجالاً مغرياً. وقد قامت عدة علامات سويسرية أيقونية مثل بلانكبين باخضاع الوقت لعالم تحت البحار، ولكن أوميغا هي العلامة التي احتلت الصدارة عبر صناعة أول ساعة يد للغواصين في العام 1932 تم توفيرها بصورة تجارية ليتمكن الجميع من اقتنائها. وقامت العلامة باستخدام علبة مزدوجة في ساعة أوميغا مارين تتمكن من حفظ الماء في الخارج بطريقة ذكية. وقد تمكنت هذه الساعة من معالجة العديد من مشاكل الغوص تحت البحار التي تمثل فيها كل ثانية من الهواء فرقاً كبيراً. كما بدأت معدات غوص جديدة في الظهور مع بداية العام 1930، وقام طيار أمريكي بابتكار نظارات واقية جديدة مع عدسات زجاجية، بينما قام الفرنسي لويس دو كورليو بابتكار زعانف الغطس الأولى. وبهذا المقدار من التفكير والإبداع استطاع البشر من الغوص أبعد في أعماق البحار.
وقد كان ويليام بيبي رجلاً شجاعاً، حيث كان يطلق على غطساته "الغواصة" وتمكن عبرها الوصول إلى 3000 قدم تحت الماء في العام 1934. وقد تمكن بين أمواج برمودا الزرقاء من سبر أغوار عوالم غير مكتشفه لحياة بحرية مشّعة. ولكن امتلاك مركبة ثقيلة بهذا الحجم كان عيباً واضحاً، فلم تكن أمراً يتمكن الجميع من القيام به.
وخلال ذلك الوقت كان الوصول إلى مستويات أعمق في المحيط شيئاً يسبق زمانه. وبالنسبة للأشخاص اللذين يتوقون إلى الاكتشاف فإن الغوص لا يزال مقيداً. وكل ذلك تغير ابتداءاً من العام 1943 مع اختراع أكوا لنغ المعروفة كأول نظام غوص حديث قام باختراعه جاك كوستو، ومع إميلي جانغان تمكن من فتح آفاق جديدة في اكتشاف البحار. أي أن التحدي الذي كتب عنه جولز فيرني قبل حوالي قرن من الزمان قد تم قهره.
واتبع كوستو خطوات مخترعين مثل إيف لو بريور الذي قام سابقاً بتصميم أنظمة مماثلة. وقد تفوق اختراعه على مركبة أكوا لنغ التي ابتكرها كوستو، حيث تحوي هذه المركبة أداة سمحت للغواصين البقاء تحت الماء لفترات طويلة. والأهم من ذلك فقد كان هذا الاختراع موثوقاً ومعقول التكلفة ويوفر حرية تفوق كافة الاختراعات السابقة. وأصبح مفهوم الانسان عن الكوكب يشهد تغيراً واضحاً. ففي عام 1950 بدأت متاجر بيع أدوات الغوص تنتشر في كافة أنحاء البلاد، كما انطلقت مجلات ناشئة تتخصص في الغوص وكذلك أصبحت نوادي ودورات للغوص أمراً اعتيادياً.
وعند وضع الابتكار جانباً، فإن السباق نحو الأعماق يدور أيضاً حول الاكتشافات العلمية. قدم الرئيس الأمريكي جون أف كينيدي وعده الجريء بالوصول إلى القمر، وفي نفس الوقت صرّح بأن اكتشاف أعماق المحيطات يتعدى الفضول، فلربما تتوقف عليها استمرارية الانسان."
وبعد عقود من خطاب كينيدي، تمّ تخصيص استثمارات ضخمة لهذه القضايا التي أحدثت فرقاً كبيراً في فهم المحيطات ودورها في تغيير المناخ والطقس وكيمياء الكواكب. وللوصول إلى تلك الأعماق، قامت منظمات مثل كومكس ببناء مراكز اكتشاف متكاملة للمساعدة في حل تحديات الغوص في مستويات أعمق. وبصورة مماثلة لما قدمه دكتور هالدين قبل 50 عاماً، قام مركز كومكس باختبارات الهيدروجين لمعالجة المشاكل الصحية لدى الغواصين.
في العام 1970، قام جاك كوستو بالغوص مجدداً لاختبار قدرة وامكانيات الانسان النفسية عند العمل والعيش في عمق 500 متر تحت الماء، ومرة أخرى كانت التكنولوجيا قادرة على مواكبة فضول الانسان. وبحلول ذلك الوقت أصبحت أوميغا قادرة على صنع ساعة غوص أيقونية مثل ساعة بولبروف، حيث اعتمد عليها كوستو وعلى قدرتها في مقاومة الضغط عند قيامه بالاختبارات تحت أعماق البحار. وقد تمتعت هذه الساعة بمواصفات خارقة شملت صمامات تسرب الهيليوم، حيث قامت أوميغا بابتكار علبة تمنع الهيليوم من التسرب إلى الساعة. وعبر القيام بذلك فإن دقة الساعة لن تتأثر بالغازات. وهذا يعني أن الاشخاص اللذين يعملون في أعماق المحيطات يمكنهم الاعتماد دائماً على الساعة في الحصول على الوقت الدقيق والبقاء متصلين بالعالم الخارجي. وحتى اليوم فإن ساعة بولبروف وتصميمها صامدين.
إن السباق نحو الأعماق يعد شغفاً كبيراً منذ فجر التاريخ، وحقيقة أن 12 رجلاً تمكنوا من المشي على سطح القمر، في حين أن ثلاثة رجال فقط تمكنوا من الوصول إلى أعماق المحيط، يظهر أن الفضاء الداخلي لكوكبنا يخبيء العديد من العجائب الآسرة مثل الفضاء الخارجي. وقد كان كل من جاك بيكارد ودون والش من الأوائل في الوصول إلى أعمق نقطة ممكنة في العام 1960 على متن الغواصة تريستي، وعلى الرغم من أن هذا العمق الذي يبلغ 35,820 قدم قد تمّ الوصول إليه اليوم أكثر من مرة، إلا أنه السباق ما يزال مستمراً للوصول إلى أعماق أكثر بعداً.
واليوم فإنّه يتم إصدار أكثر 945,000 شهادة PADI سنوياً. فلم يكن الغوص يوماً بهذه الشعبية. وهنالك حوالي نسبة 95% من البحار الغير مكتشفة حتى الآن ولم تراها عين الانسان، ويظل التزامنا نحو اكتشاف أعماق البحار مستمراً خلال السنوات القادمة.