10 من صنّاع التاريخ ارتكبوا أفعالاً مروّعة بقصد الخير
الرجل –دبي:
منذ سنّ مبكرة، يجري توجيهنا إلى رؤية العالم من حولنا، عبر اللونين الأبيض والأسود فحسب ، وعليه، فإن إجراء تجارب طبية على الأطفال أو إسقاط قنابل عمدًا على مدنيين يجعلك شخص شرير، أليس كذلك؟ حسنًا، ليس تمامًا، ذلك أنه على امتداد الجولة التالية سنعاين أن الحياة في حقيقتها أكثر تعقيدًا بكثير عن هذه الرؤية الشديدة التبسيط، وسيتضح لنا أن الإنسان قد يقدم على أمر مروّع، بينما يحمل بداخله هدفًا خيّرًا من وراء ذلك. ألا تصدق؟ إذن، أمعن النظر في القصص التالية:
10. إدوارد جينر
الأمر الطيّب: القضاء على الجدري.
الأمر الشرير: إجراء تجارب طبية على أطفال ورضّع.
نجح إدوارد جينر في فعل واحد من أفضل أعمال الخير التي يمكن لإنسان إنجازها على الإطلاق، فهو العالم الذي توصل إلى لقاح الجدري، لينقذ بذلك حياة الملايين. إلا أن الأسلوب الذي سلكه للوصول إلى هذا الهدف كان مختلفًا تمامًا، ذلك أنه عندما تفتق ذهن جينر عن نظريته العبقرية القائلة إن حك قيح من جرح ناتج عن جدري البقر في جلد بشريّ، سيجعل الشخص محصنًا ضد الجدري، لم يجرب صحة النظرية على نفسه، وإنما اختبرها على طفل في الثامنة.
وعليك أن تتذكر أنه إذا كانت الأمور قد ساءت، فإنه بذلك كان سيتسبّب في إصابة هذا الطفل بالجدري وربما وفاته، خاصة أن الجزء الثاني من التجربة تضمن تعريض الطفل لفيروس الجدري للتأكد أنه أصبح محصّنًا.
وكأن هذا لم يكن كافيًا، كرر جينر التجربة على عشرات الأطفال الآخرين، بينهم رضيع يبلغ من العمر 11 شهرًا. ولحسن الحظ، نجحت التجارب، ونجح أول لقاح ضد الجدري. لهذا، يعرف العالم كله جينر الآن بطلاً في مجال الطب، وليس أحمقَ أقدم على حقن مجموعة من الأطفال الأبرياء بالجدري.
09. نيلسون مانديلا
الأمر الطيّب: معارضة نظام التمييز العنصري القائم بجنوب إفريقيا، وإنهاؤه هذا النظام.
الأمر الشرير: تأسيس تنظيم إرهابي مسؤول عن قتل العشرات وتعذيبهم، وارتكاب أعمال قتل انتقامية.
يعد نيلسون مانديلا واحدًا من عمالقة القرن العشرين، فقد قضى قرابة عمره بأكمله في السجن، وساعد على إسقاط نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وأصبح أول رئيس أسمر للبلاد. وبالتأكيد كل هذا رائع، لكنّ الطريق إليه لم تكن بالروعة ذاتها، ذلك أنه خلال الفترة التي قضاها في صفوف "المؤتمر الوطني الإفريقي" أنشأ جناحًا إرهابيًا للتنظيم عرف باسم "رمح الأمة." وعلى مدار فترة قصيرة، تحول "رمح الأمة" واحدًا من أشدّ التنظيمات دموية على مستوى العالم.
وبدافع من الظلم الذي شهدته جنوب إفريقيا في ظل نظام التمييز العنصري، تحمل "رمح الأمة" مسؤولية سلسلة من التفجيرات وأعمال القتل وعمليات الثأر المروّعة. على سبيل المثال، فجّر التنظيم عام 1983 سيارة مفخخة في شارع مزدحم خلال فترة الذروة، ما أسفر عن مقتل 19 شخصًا وإصابة 217 مدنيًا. كما كان التنظيم متصدّر أسلوب قتل عرف باسم "ربط الرقبة"، وهو وضع إطار سيارة مملوء بالغازولين حول رقبة ضحية ما وجسده، ثم إضرام النيران به، الأمر الذي يؤدي إلى مصرعه حرقًا في غضون فترة تصل إلى 20 دقيقة ـ في أسلوب قتل بشع يفوق حدود التصور.
بصورة إجمالية، قتل "رمح الأمة" على أقل تقدير 63 شخصًا، وتسبّب في إصابة ما يقرب من 500. ورغم أن غالبية هجمات التنظيم وقعت أثناء وجود مانديلا في السجن، فإنها لم تكن لتقع قط من دونه.
08. تيدي روزفلت
الأمر الطيّب: تعزيز التجارة العالمية والاقتصاد الأمريكي عبر الاستثمار في قناة بنما.
الأمر الشرير: ضمّ بنما على نحو غير قانوني لإنجاز ذلك.
عندما استولت قوات بوتين على جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، تعالت أصوات ساسة أمريكيين بالتنديد به. ورغم أن تلك الخطوة من قبل بوتين مرفوضة، فإن السياسيين الأمريكيين، ربما يتعيّن عليهم التفكر للحظة في التاريخ الأميركي، ففي عام 1903 استولى تيدي روزفلت بصورة غير قانونية على بنما، مستخدمًا تقريبًا التكتيكات ذاتها التي استعملها بوتين.
في تلك الفترة، كانت هناك خطط قائمة بالفعل لحفر قناة عملاقة في البرزخ، بهدف تعزيز التجارة العالمية. ونظرًا لأن بنما كانت جزءًا من كولومبيا، رغبت حكومة بوغوتا بطبيعة الحال في الحصول على تعويض. واتفقت بالفعل على سعر معيّن مع روزفلت، ثم قررت أنه ضئيل للغاية، ورغبت في زيادته. واستجاب روزفلت لذلك عبر تشجيع بنما على إعلان الاستقلال.
وتشابهت مراحل العملية برمّتها، بدرجة كبيرة، مع ما حدث في القرم. وصوّت أبناء بنما على الانفصال عن كولومبيا. وعندما اعترضت بوغوتا، بعث روزفلت بقوات لتأمين المنطقة الجديدة التي انضمّت إليه. ولاحقًا، عيّن أحد حلفائه سفيرًا في بنما، وحصل على تصريح منه ببناء القناة، وبالفعل شرع الرئيس الأميركي في حفر القناة من دون استشارة أي من مواطني الدولة الجديدة. وبذلك، نجح في فرض إرادته على دولتين عبر قرار ضم بنما.
07. آرثر "المفجّر" هاريس
الأمر الطيّب: إنهاء الحرب مع ألمانيا في أسرع وقت ممكن، وإنقاذ أرواح الحلفاء خلال ذلك، ووضع نهاية للمحارق النازية وإسقاط هتلر.
الأمر الشرير: قصف دريسدين ومدن ألمانية أخرى، ما أسفر عن سقوط أعداد لا حصر لها من المدنيين قتلى.
بحلول عام 1943، كانت الحرب العالمية الثانية قد بدلت مسارها، فبعد أن كانت معزولة وتحت رحمة القنابل الألمانية، كانت بريطانيا الآن تزحف قدمًا إلى داخل ألمانيا النازية، سعيًا نحو الانتقام. من بين أكثر الشخصيات التي أبدت عزمها على الانتقام آرثر "المفجّر" هاريس، الذي كان مسؤولاً عن قيادة القاصفات البريطانية. وقد أقنع وينستون تشرتشل بأن السبيل الأمثل والأسرع للفوز في الحرب تحطيم الروح المعنوية لدى الألمان، عبر سحق بلادهم بعمليات قصف مستمرة.
وعليه، شنّت قيادة القاصفات حملة قصف غير مسبوقة ضد الألمان. وتشير التقديرات إلى أنه عندما أقدم الألمان على قصف لندن على مدار قرابة عام، أسفر ذلك عن سقوط نحو 40 ألف قتيل من المدنيين. في المقابل، أسقط هاريس، الذي أطلق عليه لقب "المفجّر"، العدد ذاته في غارة واحدة على هامبورغ. ومن الإجراءات المثيرة للجدل التي أقدم عليها، اختياره قنابل حارقة في استهدافه أماكن مثل دريسدين. وجاءت النتيجة متمثلة في حرق 23 ألف شخص أحياء، معظمهم من النساء والأطفال واللاجئين وأسرى حرب من دول الحلفاء.
وفي الإجمالي، قتلت حملة القصف الناجحة التي شنها هاريس 600 ألف مدني، أو ما يعادل ثلاثة أضعاف أعداد القتلى جراء الحرب الأهلية السورية.
06. تشي غيفارا
الأمر الطيّب: خوض قتال بلا هوادة لمصلحة الفقراء والمهمّشين في أمريكا اللاتينية، وإسقاط حاكم استبدادي فاسد وعنيف كان يتولى إدارة كوبا، بما يخدم المصالح الأمريكية.
الأمر الشرير: تنصيب حاكم استبدادي جديد لا يقل عنفًا، وتنظيم إعدامات بالآلاف.
يعدّ تشي غيفارا، الثوري الاشتراكي المنتمي للأرجنتين، أحد الأيقونات في العصر الحديث، فما يزال طلاب الجامعات أصحاب الميول اليسارية يزيّنون ملابسهم بصوره. وداخل أمريكا اللاتينية، تستقي حركات الفقراء والحركات الشعبوية إلهامها من مواقفه، حيث أثبت لفقراء القارة إنهم ليسوا مضطرين لقبول المعاناة التي يعيشونها، وأسهم في الإطاحة بالديكتاتور الوحشي فلوغينسيو باتيستا الذي كان على صلة بعصابات المافيا وأبدى سعادته بقصف مدن بأكملها داخل بلاده كوبا أبدت معارضتها له وسوّاها بالتراب.
بيد أنه للأسف كان الشخص الذي راهن عليه تشي غيفارا أثناء مقاومته لباتيستا هو فيدل كاسترو. ورغم أن الثورة التي قادها كاسترو نجحت في تحقيق تحسّن هائل في ظروف فقراء كوبا (كثيرًا ما يجري وصف نظام الرعاية الصحية المجاني في كوبا بأنه الأفضل عالميًا)، فإن الطريق نحو هذا الإنجاز كان مملوءًا بالدماء. وقد تحوّل غيفارا نفسه إلى منفذ أحكام بالإعدام في الآلاف ممّن اعتبروا أعداء لكاسترو. ورغم أن بعضهم كان بالفعل من المسؤولين الفاسدين المعاونين لباتيستا، فإن غالبيتهم كانوا مجرد مواطنين طوبيين عاديين سحقتهم الثورة تحت أقدامها. ورغم أن حياة المواطن الكوبي العادي تحسّنت في حقبة ما بعد باتيستا، فإنه بفضل تشي غيفارا لم يعش الكثيرون منهم لليوم الذي يعاين فيه هذا التحسّن.
05. هاري إس. ترومان
الأمر الطيّب: إنهاء الحرب بالمحيط الهادي مبكرًا، عبر اتخاذ إجراء حاسم، ما أنقذ ملايين الأرواح من الأمريكيين واليابانيين.
الأمر الشرير: إسقاط قنبلتين ذريتين على سكان مدنيين، ما تسبب في قتل أكثر من 200 ألف مدني من رجال ونساء وأطفال.
يُعدّ قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي واحدًا من أكثر الإجراءات وحشية في تاريخ الحروب. وأدى إلى تحويل المدينتين إلى ركام في طرفة عين، حيث أسفر قصف هروشيما عن قتل نحو 146ألف شخص، بينما سقط في ناغازاكي ما يصل إلى 80 ألفًا. وكان الكثير من الضحايا من النساء والأطفال، لقوا حتفهم على نحو مروّع. أما الأشخاص الذين قادهم حظهم العاثر إلى رؤية سقوط القنبلة، لكنهم نجوا من الحادث، فقد تساقط الجلد عن وجوههم، وظل آخرون يترنّحون على عظم ولحم مبتور بدلاً من سيقانهم، يصرخون من قسوة الألم، بينما مات آخرون من أهوال التسمّم الإشعاعي.
أما الرجل الذي وقع على هذا القرار، هاري إس. ترومان، فربما كان ينبغي ذكره في التاريخ مجرم حرب، لولا معلومة واحدة صغيرة، وهي أن أغلبية المؤرخين يعتقدون الآن أن هذا الإجراء البالغ الوحشية، أنقذ الكثير من الأرواح على المدى البعيد. من دون الإقدام على هذه الخطوة، من غير المحتمل أن اليابانيين كانوا سيعلنون استسلامهم، الأمر الذي كان سيستدعي غزوًا بريًّا أمريكيًّا. ويعتقد أن هذا كان سيسفر عن سقوط ما يصل إلى مليون قتيل ودفع الحرب نحو الاستمرار لسنوات. وبذلك يبدو أنه من ناحية نفعية خالصة، أنقذ قرار ترومان عددًا أكبر من الأرواح عن تلك التي أزهقها.
04. جوناس سولك
الأمر الطيّب: تطوير علاج لشلل الأطفال، ما أنقذ ملايين الأطفال من الموت والتشوّه.
الأمر الشرير: أجرى تجارب طبية على أطفاله الصغار.
ربما يكون واحدًا من ألطف الشخصيات التي سمعت عنها، فهو الذي نجح في ابتكار مصل ضد شلل الأطفال في خمسينات القرن الماضي، في وقت كان المرض يصيب قرابة 60 ألفًا سنويًا داخل الولايات المتحدة وحدها، ما كان يسفر عن ترك ثلثهم تقريبًا بأطراف مشلولة. وبمجرد ابتكاره المصل، رفض فرصة لحصد ثروة هائلة، عبر رفضه تسجيل براءة اختراع للمصل، ما يعني أنها أتاح إنقاذ ملايين الأفراد من خلال علاجات زهيدة التكلفة. إلا أنه حقق ذلك كله من خلال إجراء تجارب طبية على أطفاله.
مثل إدوارد جينر رقم 10 في القائمة، أدرك سولك أن الناس سيحتاجون إلى معاينة دليل على فعالية المصل. وعليه، اتفق مع زوجته على تجريبه على أنفسهم، فضلاً عن اضطراهم إلى تجريب المصل كذلك على أطفالهم الصغار. وهنا علينا التنبيه مجددًا من أنه في حال اتخاذ الأمور مسارًا معاكسًا، ربما كان سولك سيتسبّب في موت جميع أفراد أسرته أو شللهم. وفي الوقت الذي كان هو وزوجته مدركين لحجم المخاطر، فإن أطفاله لم يكونوا في سنّ تسمح لهم بالموافقة عن وعي على هذا الأمر. ولحسن الحظ، نجح المصل وانتهى الحال بسولك إلى إنقاذ الأرواح، وليس قتلها.
03. وينستون تشرتشل
الأمر الطيّب: هي كثيرة للغاية، لكن في هذه الحالة تحديدًا أنه استخدم جميع موارد الإمبراطورية البريطانية لضمان عدم موت البريطانيين جوعًا خلال فترة صمودهم أمام هتلر. وقدمت السفن من أقصى أطراف الأرض إلى المملكة المتحدة لنجدتها في محنتها.
الأمر الشرير: الكثير من هذه السفن كانت موجهة بالأساس إلى جهود إغاثة من المجاعة التي ضربت الهند. وعندما جرى تحويل مسار السفن، لقي ما بين مليون و3 ملايين هندي حتفهم جوعًا.
تعدّ مجاعة البنغال، 1943، واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم على مدار قرن بأكمله، لكن ما يزيدها سوءًا أنه كان يمكن تجنّبها إلى حدّ كبير. عندما بدأ الجوع يضرب الناس، كانت الإمبراطورية البريطانية تملك ما يكفي من السفن للشروع في إرسال مساعدات للمنطقة المنكوبة. وظل هذا قائمًا حتى أمر تشرتشل بتحويل مهام السفن إلى المجهود الحربي.
آنذاك، كانت المملكة المتحدة منعزلة بدرجة كبيرة عن باقي العالم، بسبب حصار هتلر العسكري لها. أضف إلى هذا جميع الجنود المتضورين جوعًا اللازمين للمضيّ قدمًا داخل أوروبا والانتصار على ألمانيا النازية. وبذلك يتضح السبب الذي دفع تشرتشل لاتخاذ هذا القرار. وبالفعل، نجحت خطة تشرتشل، وتمكنت المملكة المتحدة من الصمود رغم كل ما بذله هتلر لتجويعها لدفعها إلى الاستسلام. إلا أن تشرشل، للأسف الشديد، لم يمعن في تبعات قراره.
02. أبراهام لينكولن
الأمر الطيّب: انتصر في الحرب الأهلية، ما مكنه من الإبقاء على الولايات المتحدة موحدة، إلى جانب تحريره للعبيد.
الأمر الشرير: تدمير جميع أركان الديمقراطية في خضمّ ذلك، وافتتاح مركز احتجاز. يجري تذكر أبراهام لينكولن اليوم باعتباره "المحرر الأكبر" الذي كرّس حياته للدفاع عن الحريات الشخصية والديمقراطية، خلال فترة الحرب الأهلية الأمريكية. أما ما لا يذكره كُثُر، فهو أنه حطم جميع ركائز الديمقراطية في خضمّ جهوده لتحقيق هذه الأهداف.
في الواقع، قدم لينكولن دروسًا في الطغيان والاستبداد في إطار مساعيه وراء هذه القيم النبيلة. على سبيل المثال، عندما أقدمت صحيفتان على نشر مقالات تنتقده أثناء رئاسته عام 1864، أصدر لينكولن أمرًا بالاستحواذ عسكريًا عليهما لمنع نشر المقالات التي تهاجمه. عام 1861، أقرّ مبدأ قانونيًّا مهمًّا يعني أن الحكومة ليس بإمكانها احتجازك لأجل غير مسمّى من دون سبب وجيه. وعندما اعترض قضاة، استعان في مواجهتهم بالقوة العسكرية أيضًا.
أما الطامة الكبرى فجاءت بإشرافه على إنشاء معسكر احتجاز، "دوغلاس"، الذي شهد مقتل الآلاف من قوات الكونفيدرالية بسبب سوء الظروف الصحية والتكدّس، ناهيك بالمعاملة الوحشية.
ومع ذلك، نجحت الأساليب التي اتبعها لينكولن بالفعل، وخرج منتصرًا من الحرب الأهلية واستعادت الولايات المتحدة الديمقراطية.
01. نيفيل تشامبرلين
سنبدل الترتيب بعض الشيء هذه المرة، فالجميع يعلم أن الأمر الشرير بخصوص تشامبرلين هو استرضاء هتلر، لكن الأمر الذي ربما لا تعلمه الأغلبية هو السبب وراء إقدامه على ذلك.
الأمر الطيّب: محاولة كسب وقت لمصلحة بريطانيا، بحيث تتمكّن من تسليح نفسها والتغلب على هتلر.
رغم أنه يجري تذكره حاليًا على أنه شخص ضعيف، فإن نيفيل تشامبرلين حقيقة الأمر كان شديد الذكاء والحصافة، فضلًا عن نزعته الشديدة البراغماتية. عندما غزا هتلر تشيكوسلوفاكيا عام 1938، اختار تشامبرلين طريق المهادنة، بدلاً من المواجهة. ورغم أن هذا دمّر سمعته، فإنه ربما يكون قد أنقذ بريطانيا ذاتها من الاحتلال.
في ذلك الوقت، كانت المملكة المتحدة غير مستعدة على الإطلاق للحرب. ولم يبد حلفاء مثل كندا وأستراليا وأمريكا استعدادهم لدعم القوات البريطانية الواهنة، في الوقت الذي كان باستطاعة ألمانيا الاعتماد على إيطاليا واليابان (وفي ذلك الوقت) روسيا. وعليه، بدلاً من الإقدام على العمل الصائب أخلاقيًا والوقوف بوجه هتلر، اختار تشامبرلين سلاح المهادنة غطاءً للشروع في بناء القوات المسلحة البريطانية بسرعة. وفي خضمّ هذا، ضحى بتشيكوسلوفاكيا للنازيين (وخاصة اليهود التشيك الذين سيقوا إلى المحارق)، لكنه ضمن عدم تورّط بريطانيا في هوة الحرب، قبل أن يصبح أمامها فرصة للانتصار.