طارق دويدار لـ "الرجل" : قلت لمديري: طموحي هو كرسيّك
الرجل – الرياض:
أن تكون هوايتك هي ذاتها مهنتك، فأنت من المحظوظين والسائرين على طريق السعادة. تخيّل أنك تخرج كل يوم لممارسة هوايتك، وتتقاضى أجراً على ذلك. ضيفنا في هذا الحوار بدأ مهنته من واقع شغف بالسفر والسياحة والضيافة، وهو من ألمع التنفيذيين في قطاع الفندقة السعودي؛ إنه طارق يوسف دويدار المدير المقيم لفندق "الرياض إنتركونتننتال" الذي كان يشغل المدير المالي الإقليمي والداعم للأعمال في مجموعة فنادق "الإنتركونتننتال" وقصور المؤتمرات المملوكة للدولة، منذ عام 2004، كأول سعودي يحتل هذا المنصب.
دويدار التحق بمجموعة الفنادق العالمية منذ عام 1996، وتلقى دورات عدة في الإدارة الفندقية، من أبرزها برنامج تنمية القيادات في بريطانيا سنة 2007. "الرجل" التقته وكان هذا الحوار:
كيف دخلت عالم السياحة، وتحديداً مجال الفندقة ؟
كان الوالد، رحمة الله عليه، يأخذنا دائماً خلال الإجازات المدرسية، والصيف خاصة، إلى خارج البلاد في رحلات سياحية، ومن هنا تعلقت بالسفر والسياحة، وأصبح اهتمامي متابعة كل ما يتعلق بهذا الجانب، وأنا مازلت طالباً في نهاية المرحلة المتوسطة، وطوال المرحلة الثانوية حتى تخرّجت فيها. فقررت بعد تخرجي أن أعمل في هذا القطاع فترة الصيف، بدلاً من السفر إلى الخارج، رغبة في الاعتماد على النفس بالعمل فيما أحب، خاصة أن تلك الأعوام كانت الإجازات الصيفية تمتد إلى أربعة أشهر، فهي فترة جيدة لكسب الخبرة وفهم جوّ العمل، وكانت هذه أهم سنة لي، لتحديد ما أريده في هذه الحياة، وأيّ الطرق سوف أسلكها، فعملت في إحدى شركات السفر والسياحة، وأذكر جيداً مبلغ المكافأة التي كانت تصرف لي شهرياً، وهي ألف ريال، وكانت وقتها مبلغاً جيداً لطالب في عمري، وكانت مهامي إصدار تذاكر السفر، ووقتها كانت تعبّأ بخط اليد، بعد حساب الأسعار، إضافة إلى الجزء الأصعب، وهو عمل الحجوزات الفندقية داخل المملكة وخارجها، فكانت الحوارات مع المسافرين والسيّاح تزيد من سعة أفقي في هذا المجال، بل وتشدّني للدخول في أدق التفاصيل، شغفاً في معرفة كل صغيرة وكبيرة، لتضيف لي معرفة احتياجات أخرى ومتعددة، لعملاء هذا القطاع الاقتصادي المهم في تنمية الدول. وما أن انتهت فترة العمل الصيفي، حتى اتخذت قراري بدخول مجال الفندقة والعمل به.
كيف تعاملت أسرتك مع هذا التخصّص وهذه المهنة؟
تربّيت في أسرة مثقفة ومتعلمة، أسهم أفرادها، وأجيال من قبلهم، في بناء وتأسيس إدارات ومنشآت في هذا الوطن الغالي، فكنت أستمع لهم جيداً، وهم يروون تجاربهم والصعاب والتحديات التي كانوا يواجهونها، وكيف كانوا يتعاملون معها، فعلقت في ذاكرتي أغلب قصصهم ورواياتهم التي أعدّها من أهم مصادر التعلم والاستفادة من خبرات الآخرين. وكان والدي رحمة الله عليه، يهمه التعليم، ويعدّه الاستثمار الحقيقي الذي يعود على صاحبه بالمنفعة والربح اللذين لا يقدران بثمن.
وكيف ترجم والدكم هذا الاهتمام؟
قام بتسجيلنا في أفضل المدارس التي تقوم بتدريس لغات أخرى كاللغة الإنجليزية، إضافة إلى خلق حسّ المسؤولية في داخلنا، وتكيلفنا إنجاز مهام، بعد أن يكون دربنا عليها، مع التوجيه والنصيحة.
هل كان الوالد صارماً؟
لا أخفيك بأن مبدأ الحساب والعقاب كان يتبعه أيضاً، فكنا نراها قسوة، ولكن بعد أن وصلنا إلى وظائف قيادية وبلغنا هذا العمر، فهمنا سرّ تلك المعاملة التي كانت خارجها القسوة وباطنها الحب، رحمهم الله رحمة واسعة، ففي كل نجاح أرى أثرهم وأنهم هم أصحاب اللبنة الأولى. وبالطبع صاحبت هذه التربية قيم تحلينا بها، ومبادئ وصفات تأصّلت بنا، كالصبر والعدل والصدق والعمل بجدّ وحب الخير للآخرين والعطاء.
ما أسباب نجاحك من وجهة نظرك؟
من أهم أسباب النجاح، هو وضع الأهداف التي يطمح إليها الفرد، ووضعها في إطار زمني، وهذه من النصائح التي أخذت بها، فوضعت عند بداية حياتي العملية العديد منها، والفضل لله أن أغلبها تحقق، وأهمها أن أصبح مديراً عاماً لإحدى المنشآت الرائدة في مجال الفندقة، ومنّ الله عزّ وجلّ عليّ بأن تتحقق في فترة زمنية لم يستطع الآخرون تحقيقها.
وهل ترى أنك حققت هدفك من خلال هذا الموقع؟
الإنسان بطبعه طمّاع، فجعلت من هذه المحطة نقطة انطلاقة لا محطة وصول. حالياً أسعى لأن أكون في أحد المناصب التنفيذية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في شركة عالمية في مجال الفندقة، خاصة بعد اكتساب كل هذه الخبرات، وحضور العديد من الدورات.
هذا مرحلياً؛ حدثنا عن المستقبل؟
في المستقبل أطمح إلى إنشاء شركة محلية في مجال إدارة وتشغيل الفنادق والمؤتمرات، ذات العلامة التجارية، وتوسيع نشاطها، ليشمل دول الخليج والعالم العربي، لتصبح إحدى الشركات المنافسة عالمياً، وتؤثر إيجاباً في تحقيق متطلبات العميل وتوقعاته ورضاه، من خلال تطبيق المعايير المعترف بها في مجال الضيافة والتميّز في خدمته.
أحجم سعوديون كُثر عن قطاع الفنادق، كيف قررت أن تقتحم المجال؟
بداية أنا لا ألومهم في عزوفهم عنه آنذاك، فقد كان العمل ستة أيام في الأسبوع، وينتهي في ساعة متأخرة من اليوم؛ ليس هذا وحسب، بل لا يستطيع الموظف الخروج في وقت انتهاء العمل، إن كانت هناك معاملات غير منجزة، إضافة إلى أن الفنادق هي من المنشآت التي تعمل 24 ساعة طوال الأسبوع، أي هنا هناك فترات عمل على مدار الساعة، وتغيير نوبات العمل، ويوم الإجازة الأسبوعي، لذا لا يمكن وقتها أن يعمل في الفندقة إلّا شخص مضطر أو عاشق لهذا المجال.
جرأة وثقة
بدأت العمل قي قطاع الفندقة، وأنا في نهاية سنتي التاسعة عشرة، في الإدارة المالية بفندق "الرياض إنتركونتننتال" بوظيفة مساعد مدقق، بحكم أنني خريج تخصص إداري في الثانوية العامة، وكنت اتقاضى راتباً شهرياً مقداره 1800 ريال، وساعات العمل ثماني، تصل إلى إحدى عشرة ساعة أحياناً، وتصل لدرجة أن أبيت في مكتبي حتى ثاني يوم عند إقفال الحسابات آخر الشهر، أو ميزانيات وقوائم ربع السنة..إلخ. وكانت نسبة السعودة لا تتعدى واحداً في المئة على مستوى المنشأة بالكامل، لعدم رغبة الشباب السعودي، وكانت المنشأة تواجه تحديات كبيرة في إقناع السعودين واستقطابهم، ومن يقتنع منهم لا يستمرّ أكثر من بضعة أشهر، بسبب صعوبة المجال وضغط العمل، لكنني قررت أن أدخل في معركة التحدي والتحمل والاستمرار، وأن أثبت للقطاع الفندقي أن هناك شباباً سعوديين لديهم المقدرة والحماس والنجاح. وخلال تسعة أشهر استطعت، بفضل الله عزّ وجلّ، أن أثبت كفاءتي واحصل على ثقة كل من حولي، وكان وقتها على رأسهم المدير المالي الإقليمي على مستوى المملكة، فاستدعاني لمقابلته، وسألني سؤالاً لا أنساه، قال ما هو طموحك؟ فرددت عليه بكل جرأة وثقة، وقلت طموحي هو أن أجلس على الكرسيّ الذي تجلس عليه أنت.
فتغيّرت ملامحه وقال كيف وأنا موجود؟ فقلت: بالتأكيد حينما أصل إلى منصبك تكون أنت قد ارتقيت إلى مناصب أعلى.
هل ندمت على هذه الجرأة ؟
قلت في نفسي وقتها إن هذه الجلسة ستكون مفترق طرق، فهي إما فرصة لن تتكرر وإما نهاية عملي الفندقي، فضحك من إجابتي، وقرر تغيير مسمّى وظيفتي إلى متدرب إداري، واضعاً لي خطة وبرنامجاً مدته سنتان، تدربت خلالهما في جميع الأقسام المالية وغيرها، كأقسام الغرف والنظافة والمطبخ والمغسلة.. إلخ. وبعدها عُيّنت بوظيفة مساعد مدير مالي في فرع الشركة بالطائف، وبعد سنة ونصف السنة من العمل والعطاء، تم تعييني بمنصب مدير مالي بالرياض لمدة أربع سنوات، ومنها وصلت إلى هدف طالما أردته، وهو تولي منصب المدير المالي الاقليمي، والداعم لأعمال للفنادق التي تملكها الدولة، وقصور الضيافة التابعة للمراسم الملكية على مستوى المملكة.
ما نقطة التحول الحقيقية في حياتك العملية؟
كانت في عام 2004، عندما توليت المنصب الذي ذكرته، كانت المسؤولية كبيرة جداً على المستوي الشخصي، لكوني أول سعودي يصل إلى هذا المنصب، والأصغر سناً على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا، ما أعطاني دافعاً كبيراً لإثبات جدارتي في هذا المكان، وكسب ثقة الدولة وكبار المسؤولين تجاه تحمل هذه المسؤولية، ما أتاح لي الفرصة للتعامل مع قطاعات حكومية عدّة، وتقديم الضيافة على مستوى عالي الجودة لضيوف الدولة
لكل رجل أعمال ناجح رؤية ورسالة وأهداف، ما رؤيتكم المستقبلية؟
السياحة صناعة متعددة الأوجه، ومجزأة ومنتشرة، ومتداخلة بين عدد من الجهات والمجموعات والأفراد، فكل مؤسّسات المجتمع وأفراده يشاركون في هذه الصناعة. لذلك، قررت الدولة إنشاء الهيئة العليا للسياحة؛ لمعالجة عوائق هذه الصناعة، ما يمكنها من المساهمة بشكل فعلي في اقتصاد المملكة العربية السعودية، وتنويع موارده، وكلنا نسعى إلى أن تكون دولتنا من الدول الرائدة في مجال السياحة، وما نقدمه اليوم من مشاريع في مجال زيادة الفنادق، والوحدات المفروشة، ومؤسّسات الإيواء الأخرى، وتعميم هذه الاستراتيجية على جميع مناطق المملكة؛ وهناك مناطق تحتاج في مدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة، لأنهما تضمّان بيت الله ومسجد الرسول (ص). وتشتهر المملكة بالسياحة الدينية والتاريخية والثقافية، ولكن هذا لا يكفي، إذ تنقصنا السياحة الترفيهية، وهي تستقطب شريحة كبيرة من سكان العالم، وهناك مناطق كثيرة لا يوجد فيها ما يستقطب هذه الشريحة من السيّاح، مثل ما في الدول العربية المجاورة، بالاضافة إلى الشفافية وهي عنصر أساسي لتوفير المشروعية لتوقعات المستهلك وحماية حقوقه، وهي مرتبطة بتوفير المعلومات الصحيحة عن مواصفات المنتج وما يشتمل عليه وكلفته الإجمالية، وما يغطيه السعر، وتوصيل تلك المعلومات بشكل فعّال للمستهلك. التوافق والانسجام مع المحيط الطبيعي والإنساني تحافظ على السياحة المستدامة
ما أهم المشروعات التي أنشئت لهذا الغرض؟
بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (9) وتاريخ 12/1/1421هـ، الموافــــق 14/4/2000م، تم إنشاء الهيئة العليا للسياحة، وبناءً على المادة الرابعة من تنظيم الهيئة العليا للسياحة، قامت الهيئة بدراسة نظم ومواصفات ضمان الجودة في قطاعات الإيواء والمطاعم، ومواقع الجذب السياحي ووكالات السفر والخدمات السياحية، في دول مختارة، وهي المملكة المتحدة وفرنسا، والأردن، وسويسرا، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وتركيا. ومراجعة الإطار التنظيمي للسياحة بالمملكة، وصياغة خطة عمل وجدول زمني لتفعيل عملية نقل وظائف تنظيمية، من جهات حكومية أخرى، إلى الهيئة العليا للسياحة والسلطات المتعلقة بهذه الوظائف، فيما يتصل بالقطاعات السياحية الرئيسة. وتشمل هذه الوظائف التسجيل، والترخيص، والتصنيف، وتحديد المستوى. والقطاعات السياحية الرئيسة: مشروع تطوير الدرعية التاريخية أحد المشروعات الوطنية الرائدة التي حظيت بالاهتمام والمتابعة المباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي تبنّى هذا المشروع، انطلاقاً من أهمية تطوير هذا المعلم التاريخي البارز والمحافظة عليه.
وتولي الهيئة العامة للسياحة والآثار مشروع تطوير موقع الحجر (مدائن صالح) الذي سجّل في قائمة التراث العالمي التابع لليونسكو، عام 2008 اهتماماً كبيراً، كونه أحد أبرز مشاريع التطوير والتأهيل للمواقع الأثرية في المملكة، وذلك ضمن منظومة تأهيل أكثر من 120 موقعاً أثرياً. وتشمل المشروعات التطويرية ترميم القلعة الإسلامية في الموقع، وإقامة متحف لطرق الحج فيها، فضلاً عن ترميم مباني محطة سكة حديد الحجاز بالحجر، البالغ عددها 16 مبنى وتوظيفها.
وماذا عن المشروعات المستقبلية التي ترونها ستؤثر في قطاع السياحة والفندقة ؟
من أهم المشاريع المستقبلية شركة جبل عمر على مساحة إجمالية 15,000 متر مربع، ويشمل المشروع 38 فندقاً بفئتي خمس وأربع نجوم، ويقع في الجهة المقابلة للحرم المكي الشريف، على شارع إبراهيم الخليل، حيث تم توقيع عقود تشغيلها وإدارتها، مع خمس شركات فندقية عالمية ذات الخمس نجوم، يصل عدد غرفها إلى 13.000غرفة فندقية، بالإضافة إلى 86 فيلا وشقة سكنية.
مشروع مركز الملك عبد الله المالي، ويُعدّ من أكبر المشاريع القائمة في الرياض، ويقام في شماليّ المدينة ومساحته 1.6 مليون متر مربع. ومن المقرر أن يضمّ المؤسّسات المالية الرسمية والجهات المالية الأخرى، وجميع المرافق والخدمات ذات العلاقة، منها المقرّ الرئيسي لهيئة السوق المالية، ومقرّ السوق المالية، كما سيضمّ المركز عدداً من الأبراج والمباني الخاصة.
ما أهم إنجازاتك الشخصية في قطاع السياحة ؟
من أهمها ترشيحي من قبل الامين العام بالغرفة التجارية الصناعية، عضواً في اللجنة السياحية للدورة السادسة عشرة لمجلس الإدارة، لما نتمتع به من خبرة مشهودة في هذا المجال، وسيكون لها الأثر الطيّب في إثراء فعاليات اللجنة، ودفع مسيرتها الى الأمام، وطرح المواضيع والاقتراحات لتطوير القطاع السياحي في وطنا العزيز.
قيادة فندق من فئة الخمسة نجوم (فندق الإنتركونتيننتال الرياض) مديراً عاماً وهو من أهم الفنادق التي تمتلكها الدولة، ومن أهم الشركات ذات العلامة التجارية العالمية.