سارة الدويسان: 3 رجال أدين لهم بنجاحاتي
السيدة سارة أحمد الدويسان، التي شغلت سابقاً منصب وكيل مساعد بوزارة المالية الكويتية، ثم وكيل وزارة التخطيط والأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، وحالياً تم تكليفها بمنصب مدير برنامج إصلاح الإدارة المالية العامة للدولة، تدين لأربع أشخاص في حياتها كان لهم الفضل في بناء شخصيتها ونجاحاتها.
أول هؤلاء الأشخاص، والدها أحمد إبراهيم عبد العزيز الدويسان الذي وصفته بالحكيم، ثم والدتها فاطمة محمد بوزبر المتعلمة والمثقفة، فالأخ الأكبر عبد المحسن أحمد الدويسان الدبلوماسي والسفير في وزارة الخارجية.
وحينما تزوجت عام 1970 لعب الزوج أحمد عبد الله بوزبر سفير دولة الكويت في الخارج، دوراً كبيراً في نجاحاتها العملية ,والعلمية والأسرية. تقول عنه في حوارها مع "الرجل" أن مهامها الوظيفية كانت تأخذ من وقتها الكثير، ولولا تفهم الزوج وتضحياته ومساندته لها، لما تمكنت من تحقيق تلك النجاحات.
فادية الزعبي – الكويت
عندما وجهت مجلة "الرجل" سؤالاً للسيدة سارة أحمد الدويسان حول الرجل الذي كان له الأثر الأكبر في حياتها قالت "لم يكن رجلاً واحداً، فبناء شخصيتي ونجاحي يقف وراءه ثلاثة رجال وامرأة."
وشرحت ذلك قائلة أنها نشأت في أسرة كويتية محافظة، ولدت وترعرعت في منطقة المرقاب ثم الشامية، وكان والدها أحمد إبراهيم عبد العزيز الدويسان أول المؤثرين في حياتها.
وتصف والدها رحمه الله، بأنه كان حكيماً، قليل الكلام وكثير الإصغاء. استطاع هذا الوالد من خلال حسن إدارته ورعايته أن ينشئ عائلة ناجحة مكونة من 13 ابن وابنة (سبع بنات وستة أولاد). وتقول أنه كان الراعي للجميع، يحرص على الالتزام بالمبادئ والأخلاق الحميدة، ويؤمن بأن الطاعة يجب أن تبنى على أساس التشاور واتخاذ القرار بالشراكة. وكان حريصاً على تعليم أبنائه، ومتدينا بوسطية. عصاميا، عمل بالبناء ثم بالتجارة طوال حياته، وتخصص بتجارة السجاد.
أما الشخص الثاني المؤثر في حياتها، فتقول السيدة سارة أنه والدتها فاطمة محمد بوزبر رحمها الله، وتصفها بالحزم في اتخاذ القرار، وأنها مثقفة جداً، واسعة الاطلاع، قوية الشخصية، ومحبة للعلم. وقد ربّت أولادها على ضرورة الاحترام المتبادل والمحبة وعدم التسلط أو التطاول، فالكبير يحنو على الصغير والصغير يحترم الكبير.
ويأتي الأخ الأكبر عبد المحسن أحمد الدويسان رحمه الله في المرتبة الثالثة في تكوين شخصيتها، فتقول عنه أنه عميد العائلة، دبلوماسي وسفير في وزارة الخارجية، اشتهر ببراعته في التحليل السياسي للأوضاع المحلية والإقليمية وربطها بالمتغيرات الخارجية. تخصص في المحاسبة وسعى جاهدا لتذليل جميع المعوقات التي تحول دون إتمام تعليمي الجامعي. وكذلك حرص على تلقي جميع أشقائه وشقيقاته درجات عليا من العلم وساعدهم في تجاوز العقبات التي تحول دون ذلك.
هذه الشخصيات الثلاثة كانت الأهم في نشأة السيدة سارة، ولكن بعد أن تزوجت عام 1970 من أحمد عبد الله بوزبر سفير دولة الكويت في الخارج، أصبح الزوج هو الشخصية الأكثر تأثيراً سواء في حياتها العملية أوالعلمية أوالأسرية.
تقول عن زوجها "كان الدافع والمساعد لأحقق وأثبت تميزاً في مهامي الوظيفية. وإلى جانب صفاته كمحب ومضحي، فإنه يؤمن بالديمقراطية ويطبقها عملياً حتى بين أفراد أسرته، فمناقشة وجهات النظر والمشاركة في الرأي سمة التعامل بيننا. ولا أدّعي أنني بنيت أسرة ناجحة بمفردي، فزوجي له الفضل الأكبر في بناء هذه الأسرة وتربية أبنائنا مي، وفهد، وخالد، وفيصل. وما زال دوره متميزا مع الأحفاد فهو الراعي للجميع أطال الله في عمره"
أول فتاة في العائلة تكمل الثانوية
تلقت السيدة سارة تعليمها في مدرسة المرقاب، ثم حصلت على الثانوية العامة، وتقول أنها أول فتاة في الأسرة تكمل تعليمها الثانوي. وقد شكلت هذه الشهادة العلمية بداية لتأسيس شخصيتها والانفتاح على العالم.
وتضيف أنه مع قرب انتهاء المرحلة الثانوية بدأت عملية محاولة إقناع والدها بقبول إكمال تعليمها الجامعي. فأكملت دراستها الجامعية بدعم ومساعدة من الوالدة والأخ الأكبر عبد المحسن. ولكن شرطهما تحدد بأن تبدأ العمل بالتدريس في وزارة التربية وتكمل تعليمها الجامعي أثناء التدريس. وهذا ما فعلته بإقناع من أخيها الكبير.
ففي عام 1964 انتسبت لكلية التجارة بجامعة بيروت العربية. وكانت والدتها ترافقها أثناء سفرها لأداء الامتحانات. وبناء على نصيحة أخيها الأكبر عبد المحسن تخصصت في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية. وأصبحت وكيلة مدرسة سكينة في مدرسة الشامية. ثم ناظرة مدرسة الدوحة عام 1971.
ولكن هذه المناصب لم ترض أقصى طموحاتها وسعيها لتحصيل المزيد من التعليم العالي، فجاءتها الفرصة حينما فتحت جامعة الكويت مجالاً للحصول على تمهيدية الماجستير عام 1971.
وبعد استشارة الزوج تم الاتفاق على متابعة تعليمها العالي. وهو ما بدأه الزوج أيضاً الذي كان يعمل حينها وكيلاً في إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم. ومن المواد الاختيارية في تمهيدية الماجستير، اختارت السيدة سارة مادة "المالية العامة" لحبها للغة الأرقام. وهو ما جعلها تتميز في هذا المجال.
بعدها انتقلت إلى القاهرة لاستكمال دراستها، حيث سبقها زوجها، واعتمدت عنوان رسالة الماجستير "الميزانية العامة لدولة الكويت 1969 – 1979".
بدء العلاقة بوزارة المالية
تقول السيدة سارة إن الإعداد لرسالة الماجستير التي حصلت عليها عام 1979 تطلب زيارات متكررة لوزارة المالية الكويتية بهدف الحصول على البيانات الضرورية لرسالتها. وأنها لمست كل التعاون من العاملين في تلك الوزارة خاصة من مدير الميزانية في ذاك الوقت المرحوم براك المرزوق، ووزير المالية عبد الرحمن العتيقي، ومراقب الميزانية عبد العزيز الرومي. مما سهل عليها عملية التزود بالمواد العلمية.
وفي العام 1979 أيضاً انضمت إلى وزارة المالية بصفة مراقب. فكانت أول امرأة في الوزارة. وأسند إليها "كشف المتابعة" الذي يتضمن حسابات إيرادات ومصروفات الدولة الشهرية لعدد من الوزارات.
وبعد أن رقيت لمنصب مديرة ميزانيات. فتح هذا المنصب على السيدة سارة آفاقا جديدة، فتقول "دعيت لاجتماع اللجنة المالية في مجلس الأمة برئاسة جاسم الخرافي وعضوية مشاري العنجري وعبد الرزاق الصانع وخالد العيسى وعبد الله النيباري وفيصل الدويش. فذهبت مع وكيل وزارة المالية آنذاك عبد المحسن الحنيف، وكان هذا الاجتماع أول خطوة لي في الانفتاح على مكونات المجتمع والدولة كسلطات قضائية وتنفيذية وتشريعية. والانفتاح أيضاً على الخارج سواء الدول الإقليمية منها أو العربية والدولية."
وسارت حياة السيدة سارة في عملها بوزارة المالية من تطور إلى آخر، وعايشت انتقال العمل في وزارتها من العمل التقليدي إلى الانفتاح على أساليب حديثة ومتطورة في طبيعة العمل، وفي الاستخدامات الحديثة للأجهزة المالية. فاتسع وتعمق الفكر العلمي المالي خاصة في مجال الموازنة، وتزامن ذلك مع فترة الوفرة المالية والقدرة على استيراد الخبرات وتقليص الدورة المستندية وتقليص البيروقراطية.
أسرار العمل محظور مناقشتها في البيت
ولكن ما مدى انعكاس هذا التطور والجهد اليومي الطويل في عمل السيدة سارة على بيتها ومسؤليتها تجاهه.
فترد "تفهم أسرتي لطبيعة عملي، وتعاونهم معي في إدارة المنزل، وفر لي الجو المريح للقيام بعملي على أحسن وجه. فالمسؤولية الجسيمة لميزانية الدولة والحسابات الختامية للدولة تحتاجان لجهد كبير وتركيز ذهني في العمل. كما ساعدني تفهم العائلة لنوعية عملي على انتهاج الحرص الشديد في عدم تداول شؤون العمل وأسراره في المنزل".
ولم تنس سارة الدويسان دور أهل زوجها في رعاية أطفالها حينما تتطلب ظروف عملها السفر في مهمات رسمية ، فهي لم تعتمد أبداً على المربيات، فكان أهل الزوج خير معين ومساند لها في تنشئة أبنائها ورعايتهم، بل والمساهمة في تدريسهم.
لن أقطع الأمل في الدكتوراه
أما عن متابعة دراستها للحصول على الدكتوراه، فتقول "إنه هدفي وهاجسي اليومي الذي لن أتراجع عن الوصول إليه. فبعد تعييني بوزارة المالية كان شرطي أن يسمح لي بمتابعة التعليم والحصول على الدكتوراه، وحينما تسلم الوزير ناصر الروضان وزارة المالية، فكرت بمتابعة الدكتوراه في بريطانيا، فكتب الوزير تزكية بذلك للجامعة. لكن ظروف العمل التي تراكمت وأخذت كل وقتي حالت دون إكمال الدكتوراه، فقد تسلمت منصب وكيل مساعد للمحاسبة، ومن بعدها للمحاسبة والميزانية، ،وبعدها تسملت مسؤولية تزويد الوزارات والإدارات الحكومية بالمخصصات المالية ومعه مسؤولية القرار المالي بلا حدود من قبل الوزير جاسم الخرافي آن ذاك وعن طريق البنك المركزي، وبعدها تم تعييني وكيلا لوزارة التخطيط بترشيح من قبل الدكتور علي الزميع، فلم يبق وقتاً للدكتوراه. ولكنني لن أقطع الأمل في الحصول عليها."
جائزة الدولة في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية
في عام 2005 حصلت السيدة سارة على جائزة الدولة التشجيعية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، وذلك عن كتابها "سلسلة قراءات في الإصلاح الاقتصادي" المكونة من ثمانية أجزاء.
وقد تشرفت السيدة سارة بتقديم هذا الكتاب إلى سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.
ورغم أن مثل هذه السلسة من الكتابة تحتاج لتركيز ووقت طويل لإنجازها، إلا أن تمكنت بعد جهد كبير من إتمامها، معتمدة على تفهم ومساندة أسرتها وأسرة زوجها.
الإنتقال من القطاع الحكومي إلى الخاص
بعد أن تسلمت سارة الدويسان منصب وكيل وزارة التخطيط مع تعيينها الأمين العام للمجلس الأعلى لتخطيط والتنمية، زادت أعباؤها العملية، ولكنها أكملت مسيرتها العملية، واستخدمت خبراتها المتطورة في وزارة المالية لتنقلها إلى وزارة التخطيط. وفي عام 2006 قدمت استقالتها لتتفرغ للعمل الخاص الحر. فأسست لنفسها مكتباً استشارياً للدراسات الاقتصادية والمالية والبترولية. إلا أن الجهات الحكومية ممثلة بوزير المالية كلفها في شهر أغسطس من هذا العام بتسلم منصب مدير برنامج إصلاح الإدارة المالية العامة للدولة.
هوايات لا تخرج عن المالية..وأحرى بعيدة
السيدة سارة التي تعشق الأرقام، وأمضت عقوداً من حياتها في التعامل معها، وظفت هذا العلم بدقة وكفاءة في معالجة وممارسة أرقام ميزانية الأسرة، وأيضاً دخلت في هواية القراءة لديها، فهي تتابع كل ما يكتب عن آخر التطورات في عالم القضايا المالية والاقتصادية.
أما هواياتها الأخرى البعيدة عن الأرقام والاقتصاد، فهي الخياطة وحياكة الكروشيه والكانفاه، وجمع التحف المميزة التي تعكس ثقافات العالم، والرسم بالألوان الزيتية وبالفحم.