من أرشيف مجلة «الرجل».. كاظم الساهر: أعيش في عزلة
يعدّ كاظم الساهر، واحداً من اشهر المطربين العرب، ويحتل مكانة خاصة لدى الجمهور والنقاد لأسباب عدّة، من بينها نشأته في ظروف صعبة، وقدرته على التلحين والتأليف والغناء في آن واحد، وتمتعه بحسّ عال أثناء تاديته أغنياته.
"الرجل" التقت كاظم الساهر في القاهرة، وحاورته في ألحانه وأغنياته، وحياته الخاصة أيضاً.
هناك من يقول إنك أشهر مطرب في ساحة الغناء العربي حالياً، فماذا تقول؟
انا واحد من مجموعة موجودة على الساحة، يسعى لإسعاد جمهوره.
ومن المجموعة التي تتصور انها تحتل قمة الطرب العربي في هذه المرحلة؟
بدون ذكر أسماء، أشعر بأن الجمهور يقدر الفنان الذي يقدم أغنياته بحسّ عالٍ وصادق.
طفولتك كيف تتذكرها؟
أنا لم أنسها لحظة واحدة؛ فالمعاناة التي عشتها صغيراً هي التي تجعلني في تحدّ مستمر لأحقق نجاحاً. ولدت بين عشرة أشقاء، ثمانية ذكور وأختين، وكان ترتيبي السابع بينهم، وكان الوالد ضابطاً في القصر الملكي، انتقل منه الى الجيش قبل ان يحال على التقاعد، فافتتح محل نجارة (موبيليا) صغيراً جدا، فكان على كل واحد منا ان يعمل للمساعدة في مصاريف الاسرة. فبدأت العمل وانا طفل عمري ثماني سنوات، أذكر اني عملت في كل شيء: بائع آيس كريم، بائع صحف، بائع حلوى متجول، مساعداً لوالدي في محل النجارة.. الخ وكنت اربح اقل من دينار. واستمر عملي هذا حتى بعد ان التحقت بمعهد الموسيقى، فلم اتوقف عن العمل، الا بعد ان عرفت الشهرة والنجاح، فأرحت الوالد من عمله الشاق الذي امرضه، وهو حالياً، مقعد، شفاه الله.
هل انت فخور بطفولتك؟
طبعا، لأن ابي وامي علماني الصبر. اما المعاناة الشاقة في طفولتي، فقد علمتني ان اتعامل مع الاشياء بشكل ناضج ودقيق وعميق، فلا تؤثر فيّ المظاهر ولا تأخذني ريح المغريات بعيداً عن اهدافي الحقيقية التي سعيت وجاهدت للوصول اليها.
هل المعاناة تخلق ابداعاً ام تقتل الإبداع؟
الاثنان معاً؛ فهناك كثُر، تكسرهم الغربة، كما هناك آخرون يتعاملون مع الصعاب بجلد وصبر ويرددون "الضربة التي لا تقتلني تقويني".
انا شخصياً من النوع الثاني، فدائماً كنت اشعر انني اقوى من المعاناة، بل أحسّ ان معاناتي افادتني كثيراً في اختيار موضوعاتي التي اقدمها للناس. فمن عانى حقاً، هو اصدق من يعبر عن المعاناة بكل انواعها، كلمة ولحناً وغناء.
وانا شخصياً مرت بي صعاب من كل الانواع، بدءاً بالحروب والمآسي وفقدان أعز الناس، وصولاً الى المعاناة من اجل لقمة العيش.
ومن هم اعز الاصدقاء الذين فقدتهم؟
احدى شقيقاتي ماتت، وهي كبيرة. وصديق عمري وإنسان عزيز على نفسي.
الشهرة
كيف بدا طريق شهرتك ونجوميتك مع الموسيقى والغناء، رغم انك كنت تناضل طفلاً وشاباً من اجل لقمة العيش؟
أشقائي جميعهم صوتهم أحلى من صوتي. والوالد كان يغني المقام وشقيقتي تغني لشادية، وشقيقي هذا يغني لعبد الحليم حافظ، وذاك يغني لمحمد عبد الوهاب، وهكذا كان الجو العائلي، اما انا فكنت اشعر بأنني اقبح صوت وسط اشقائي.
وفي يوم من الايام، وكنت في الصف الرابع الابتدائي، سمعني المدرس وأنا اقرا تلاوة الشيخ عبد الباسط "اذا الشمس كورت"، فأخذني الى المدير وتحدث إليه بشأني، وجعلني أعيد ما قرأت. وعندما عدت إلى المنزل وحكيت لأمي لم تعلق، اذ لم ترد ان تقول لي ان صوتك جميل. بعدها ظللت اغني بمفردي وكنت ادرس دراسة خاصة، الى ان دخلت معهد الموسيقى في العراق، وكنت الحّن واكتب الشعر ورسائل العشاق لاصدقاء اخي الاكبر. وبعد التخرج في المعهد، دخلت الى الاذاعة بشريط غنائي، لأحصل على الاجازة من لجنة كبيرة من اصعب اللجان، فسألوني عن الملحن وكاتب النوتة، وعندما عرفوا انني صاحبهما، أعطوني الضوء الاخضر. وقتها شعرت انني بدأت اولى خطواتي في الطريق الصحيح.
الشهرة والنجومية ماذا تعنيان لك؟
الشهرة هي افساد للفنان، وبداية العدّ التنازلي للكثير من الفنانين؛ انا مثلاً كنت اتمرن يومياً ساعات طويلة على العود، وأوزع اعمالي بنفسي، واكتب النوتة... الخ. الشهرة اخذتني من هذه الاشياء، وجعلتني اعتمد على آخرين، وهذا عد تنازلي، وإن كنت احرص دائماً على الا تأخذني الشهرة بعيداً. واذكر نفسي ويذكرني اصدقائي ببداياتي الصعبة، فتجدني اعود مسرعاً الى نفسي. وبعد مرات من التفكير وجدت ان العزلة هي الافضل. فأنا لا اذهب الى الحفلات الخاصة، ولذلك أتّهم بأنني فاشل دبلوماسياً وكسول في العلاقات العامة، والبعض يعتقد انني مغرور، وأنا بدوري لا اهتم بهذه الاتهامات، فالمهم هو ان احافظ على مسيرتي الفنية، دون ان تنفخني الشهرة، او تأخذني الاضواء بعيداً عن طريقي.
ما أشهر البوماتك الغنائية؟
قدمت 9 البومات، أولها صدر عام 87، وجميعها - حسب ما أرى - اشتهرت (عبرت الشط - العزيز- ايش جابك على المر - سلامتك من الآه - هذا اللون عليك يجنن - لا يا صديقي - بعد الحب - ضمني على صدرك - اغسلي بالبرد). ولم يشتهر في كل البوم اغنية واحدة، بل مجموعة من الاغنيات التي ضمّها، وعددها نحو 60 – 70 اغنية.
ما الأغنية الأحب إليك بين اغانيك؟
"لا يا صديقي"، فهي 85 بيت شعر كتبها عزيز الرسام ولحنتها ووزعتها. وأذكر انني احتجت الى جهد كبير من اجلها، لكنها قوبلت باستحسان كبير من الجمهور والنقاد.
معروف انك قدمت الحاناً لمجموعة من الفنانين دون مقابل، فلماذا؟
لا احب الكلام في هذا الموضوع، فأنا اخجل ان اتقاضى اجراً عن لحن اقدمه هدية للفنان؛ انه يكرمني بأن يضع صوته على لحني.
هل هذا تواضع منك؟
لا، انا احترم الفنان عندما يحترم عملي، وعندما اقدم لحناً لفنان نجتهد معا طويلاً لنصل إلى الافضل.
لو خيرت بين الغناء والتلحين فلأيهما تتفرغ؟
طبعاً لصوتي. كثير من المطربين اعتذر لهم لأن جمهوري ينتظر الكثير مني بصوتي.
بنسب مئوية، كيف تصف نجاحك ملحناً ومؤلفاً ومطرباً؟
ملحناً ومطرباً أضع نفسي في كفتي ميزان متساويتين، ولكن شاعراً لا أعدّ نفسي متفرغاً لكاظم الشاعر، وإن كنت لا استغني عنه باحثاً عن افكار ومتذوقاً للشعر.
طريقة ادائك على المسرح، هل هي وليدة لقائك بالجمهور ام انك اعددتها بإتقان؟
انا على المسرح اشبه بطفل يجلس في بيته ووسط عائلته، يتدلل ويلعب ويلهو، ليسعد اسرته ويسعد هو بهم بتلقائية شديدة وكاملة.
هذه "التصفيقة" التي تؤديها بيديك والخاصة بك كيف جاءت؟
كنت محتاجاً لاثنين يصفقان معي، فأخذت انا دورهما بكفي.
لو لم تكن مطربا ماذا كنت تتمنى؟
رساماً او موسيقياً.
في رحلتك مع الشهرة، الكثير من السفر والغربة، فهل هذه الغربة فرضت عليك ام اخترتها؟
في الوقت الذي بدأت شهرتي تنطلق، بدأ تطبيق الحصار على العراق، فلم يكن هناك مفر من ان اذهب الى كل بلدان العالم، ليصل صوتي الى كل الناس.
وهل افادتك غربتك هذه؟
جداً. ففي كل بلد ازوره كنت اقرأ كتاباً جديداً فيه جغرافية جديدة، وطبيعة اناس مختلفة، واشياء اخرى لا يمكن حصرها.
الى اين سافرت؟
الى كل دول العالم تقريباً.
وما البلد او المكان الذي تحب ان تسافر اليه؟
أعماق روحي.
وماذا عن وطنك؟ هل كنت تتمنى الاستقرار في العراق؟
اي انسان يتمنى الاستقرار في بلده، انا شهرتي جاءت من العراق، والجمهور العراقي هو الذي رباني، من العراق اخذت من تراثنا وجذورنا، وكل ما اتمناه ان استطيع الذهاب الى امي عندما اشتاق اليها. ولكن في ظل ظروف الحصار، يبدو الامر صعباً، فالسفر براً يحتاج الى ساعات طويلة جداً، اتمنى ان ينتهي الحصار حتى استطيع الذهاب الى العراق كل يوم.
هل يلعب فنك دوراً في تلطيف العلاقات الشعبية بين العراق وبعض الدول العربية؟
اتمنى ان اكون رسول حب، من خلال اغنياتي يفهم الجمهور العربي اني احب كل الناس.
ما علاقتك بزملائك المطربين؟
انا اعيش عزلة، ولكن عندما التقيهم في حفلة او اي تجمع، نتبادل كل احترام ومحبة.
اين انت من الوسط الفني؟
بعيد.
هل ترى الوسط الفني غابة؟
غابة ورد وريحان وياسمين.. نعم.
أسلحتك في هذه الغابة؟
هناك نوع من الورد اسمه "القداح"، جميل بعطره وعطائه، ولكن لو لمسه احد يذبل تماماً، فأنا كلمة واحدة تجرحني وتجعلني اعيش في الم.
وكيف تتعامل مع الشائعات التي تروج حولك؟
في البدايات كنت ابكي وأتألم جداً، الآن ما زال بعض الشيء ولكن اقل.
وهل دموعك قريبة؟
جداً، ولكن صعبة، فأحيانا أشعر بنار في صدري ولا أستطيع أن أبردها بالدموع.
الحياة الشخصية
بعيداً عن الطرب، الى اي مدى جار فنك على حياتك الشخصية؟
أفقدني كثيراً من راحتي وعلاقتي.
وماذا عن حياتك العاطفية، كالزواج مثلاً؟
تزوجت ابنة عمي وعمري 18 سنة، وعندي طفلان: وسام 14 سنة، وعمر 9 سنوات.
بمناسبة الحديث عن الزوجة، ما الذي تحبه في المرأة؟
بساطتها، تلقائيتها، عفويتها وتسامحها. أحب الزوجة التي تكون لزوجها الأم، وفي الوقت ذاته طفلته المدللة، والحبيبة والزوجة في آن واحد.
الى اي مدى تحتل الغيرة مساحة في حياة زوجتك؟
الغيرة موجودة في كل النساء، وخاصة نساء الشرق، لكني كنت اعرف كيف اتعامل مع بيتي بمحبة واحترام.
كيف علاقتك بأبنائك؟
أنا صديقهم أجلس معهم وألعب أكثر منهم.
ما نقطة ضعفك؟
الخجل.
وما الذي ترفضه في شخصك؟
القلق الزائد بصورة مزعجة.
ومساحة الصداقة في حياتك؟
هي كل حياتي تقريباً.
وهواياتك؟
الشعر.
كم تقدر ثروتك؟
إنسانيتي.
لكن هل انت غني؟
بكرامتي وعزة نفسي.
أمنياتك؟
أن يرفع الحصار عن أطفال العراق.
الى اي مدى تتوقع صمود نجمك؟
الى آخر نفس في حياتي.
وما الجائزة التي تتمناها؟
رضى الناس.