عائلة الجميح السعودية.. توكّأت على عِصيّ "شقراء" فوصلت إلى العالمية
من لم تكن له بداية محرقة لن تكون له نهاية مشرقة؛ مقولة تجسد تاريخ عائلة الجميح التي بدأ عميدها محمد الجميح، قبل قرابة القرن، يعمل بائعاً للعكاكيز التي كانت رائجة بين الرجال في ذلك الزمان، جامعاً رأس ماله من "عيدية" كان يجمها في كل عيد، ليكمل أبناؤه وأحفادة مسيرة الصعود، ويؤسسوا كياناً اقتصادية عصياً على التصنيف، من حيث تنوعه وامتداده وريادته.
أصل عائلة الجميح
تنتمي عائلة الجميح السعودية، أصلاً، إلى مدينة شقراء التي تقع في منطقة الوشم وسط المملكة، وهي مدينة تاريخية تقع على ملتقى الطرق التجارية شرق وغرب وشمال وجنوب البلاد، ما جعل أهلها مشهورين باحتراف التجارة منذ عصور طويلة. ومن العوائل التجارية المعروفة فيها عائلة الجميح التي بدأت بمزاولة حرفة التجارة منذ عشرات السنين، قبل تسجيلها واعتمادها بنظام السجل التجاري، عام 1956.
وكانت نشاطات عائلة الجميح، حينها، محصورة في استيراد المواد الغذائية عن طريق الكويت والبحرين، والأقمشة والتمور والبن والهيل، فضلاً عن العمل في الصيرفة، لتبدأ بعدها بمرحلة الانتشار والتطور، والاتجار في السيارات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعد حصول الشركة على وكالات فورد، وجنرال موتورز، وجي إم سي، وشيفروليه وغيرها. ولتصبح شركة قوية ذات اسم كبير ومعروف، ولها فروع في مختلف مناطق المملكة ومدنها، وتتنوع نشاطاتها التجارية، بين التجارة والصناعة والاستثمار، والعقار، والمقاولات والمصرفية الإسلامية.
نسب الجميح
عميد عائلة الجميح الشيخ محمد الجميح، ولد في مدينه شقراء عام 1915، ونشأ فيها، حيث تعلم قراءة القرآن الكريم على يد والده، وكذلك بعض الأرقام الحسابية، ثم أرسله إلى حلقة الكتاب، حسبما كان سائداً في ذلك الحين. وترعرع في بيت يعشق التجارة. وظهرت اهتماماته التجارية منذ صغره، عندما كان في الخامسة عشرة، واستطاع أن يكوّن عملاً بسيطاً بدأه بتجارة العصيّ، حيث كان يشتريها من «العيدية» التي يحصل عليها من الاقارب والاهل، ويعيد إصلاحها، ثم يبيعها في بلدته، حيث كان من السائد في ذلك الوقت بين الرجال حملهم للعصيّ، واستمر على هذه الحال حتى استطاع أن يجمع مبلغ 500 ريال (133 دولاراً)، فأعطاها لأبيه. هذا العمل لم يمنعه من مرافقة والده وأخيه عبد العزيز في قوافل التجارة، من الاحساء إلى شقراء والمدن الاخرى، حيث كان يساعدهم ويصنع لهم الطعام، ويكتسب الخبرة التجارية المطلوبة. ومن تجارة القوافل انتقل إلى دكان أبيه في شقراء.
توسع العمل بعد وفاة أبيه، ففتح مع أخيه عبد العزيز فرعاً في مكة المكرمة لتجارة المواد الغذائية والاقمشة وغيرها، ثم اتسع، ليشمل جدة والاحساء والرياض، في عام 1936، بعد تأسيسه الشركة مع اخيه الأكبر عبد العزيز، التي شملت الكثير من الأعمال التجارية والصرافة تحت مظلة عائلة الجميح.
شركة الجميح .. النشأة والمسيرة
عام 1936، أسس الشقيقان عبد العزيز ومحمد، شركتهما في مدينة شقراء (200كم من الرياض). وخلال أربع سنوات، توسعت الشركة ونقل الأخوان مقر عملياتهما إلى الرياض، لتبدأ مرحلة النمو والتنويع. وخلال عشرة أعوام، افتتحا فرعين للشركة في مدينتي جدة والدمام.وفي منتصف الخمسينات، بدأت مرحلة الطفرة التي أثْرت الاقتصاد السعودي، وازدهرت على إثرها الصناعة والتجارة والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية، وسائر نواحي الحياة في المملكة. وخلال هذه المدة، أرسى الشقيقان الجميح، أُسس كيانٍ تجاريٍ أصبح أحد الأعمدة الرئيسية لقطاع الأعمال والتجارة السعودي وأطلقا عليه "مجموعة الجميح".
كيف تستخدم الـ"سوشيال ميديا" في تحقيق النجاح وتنمية أعمالك بشكل أكبر؟
واليوم تنشط المجموعة في كثير من القطاعات، أهمها: التصنيع، وبيع وتوزيع المنتجات، والاستثمار، وتقنية المعلومات، والهندسة، والتمويل، والعقارات، والنفط، والغاز، والماء والكهرباء.
شراكات عالمية تؤطر إمبراطورية ثروة عائلة الجميح
وعلى مدى خمسة عقود، تميزت عائلة الجميح في قطاع تجارة وتوزيع السيارات بالشراكة مع جنرال موتورز، أحد أبرز مصنعي السيارات في الولايات المتحدة، وتفوقت في هذا المجال باستحقاقها الكثير من الجوائز وآخرها جائزة جي إم غراند ماسترز لثلاثة أعوامٍ على التوالي، عن تميزها في حجم المبيعات، وإرضاء العملاء، وخدمات الصيانة، وقطع الغيار. ولم تلبث الجميح أن أصبحت أكبر موزعٍ لشركة جنرال موتورز في المملكة والشرق الأوسط، من حيث حجم المبيعات، وباتت تملك شبكة فروعٍ تضم أكثر من 100 معرضٍ ومركز خدمات موزعة في مختلف مناطق المملكة.وفي السنوات اللاحقة، احتلت مركزاً ريادياً في استيراد وتوزيع السيارات والإطارات وزيوت التشحيم، ومعدات البناء والزراعة. وفي هذا الإطار، عقدت المجموعة شراكات استراتيجية جمعتها مع عدد من الشركات العالمية وفي مقدمتها: شل للنفط، وإطارات يوكوهاما، وبيبسيكو، وشركات عالمية رائدة أخرى، وما يزال كثير منها قائماً حتى اليوم.
وفي عام 1967، شهدت المجموعة نقلة نوعية في مسيرتها، حيث عززت أعمالها في قطاع المركبات،عبر شركة الجميح للسيارات، لتصبح الشركة الموزع المعتمد لشركة جنرال موتورز وعددٍ من شركات السيارات الأخرى، وانتشرت فروعها في مدن عدّة من مناطق المملكة. وعلى مدى عقدي السبعينات والثمانينات، واصلت المجموعة توسعة أعمالها واقتناص الفرص الاستثمارية، لتصبح واحدة من كبرى المجموعات التجارية، ليس في المملكة فحسب، بل في العالم العربي كذلك، مستندة إلى قيم "الثقة والنزاهة والالتزام بأعلى مستويات الجودة وإرضاء العملاء، والتركيز على فريق العمل، عبر بيئة عمل متميزة تحفزهم على الابتكار والإبداع وتوفر لهم فرص النمو الوظيفي والشخصي". كما أنها تسعى جاهدة لخدمة المجتمعات التي تعمل فيها.وتعدّ الجميح للسيارات اليوم أكبر وكيل لشركة جنرال موتورز في منطقة الشرق الأوسط.
عائلة الجميح امتياز "بيبسي كولا"
خلال مشوار عائلة الجميح المكلّل بالنجاح، شكّل عام 1957 حدثاً مميّزاً لها. فقد شهد هذا التاريخ ولادة أوّل شراكة من نوعها في صناعة المرطبات، حينما أصبحت الجميح صاحبة أول امتياز لتعبئة منتجات "بيبسي كولا" في الرياض، وأول منتج محلي للمشروبات الغازية. اليوم، ومع مصانع حديثة ومتكاملة ومراكز توزيع مميزة في المنطقتين الوسطى والشمالية، وما يزيد على 2000 موظف، نمت المصانع وتطورت، لتصبح الشركة الأساسية في إنتاج المرطبات في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا.
الحفاظ على اسم العائلة التجاري
بعد وفاة عبد العزيز الجميح، حل محله أبناؤه محمد وعبد الرحمن وحمد، الذين انطلقوا جميعاً مع عمهم محمد في النهوض بالشركة، والانتقال بها من نجاح إلى آخر، حتى اصبحت في مصاف الشركات العالمية، مع الابقاء على الاسم وفاء للشريك الأول، فأنشأت المصانع والفروع التجارية في أنحاء مختلفة من المدن السعودية، وحصلت على وكالات الشركات الكبرى العالمية، فأسهمت في إرساء دعائم الاقتصاد الوطني، وشاركت في تنشيط العلاقات التجارية بين السعودية والعالم الخارجي، فحظيت بإكرام كثير من الدول الكبرى كأميركا، وبريطانيا، وألمانيا، وايطاليا، وحصلت على أرفع الأوسمة من رؤساء هذه الدول ومسؤوليها.
نجاح شركات العائلة
من وجهة نظر الافراد البارزين في عائلة الجميح، تمثلت عوامل النجاح الرئيسة التي مكنتها من النمو والتطور وتبوّؤ تلك المكانة المتميزة، في شغف الريادة وقدرتها على مواكبة التغيير في كل القطاعات وتحدي المخاطر، والتزامها الدائم ببناء علاقات عمل متينة طويلة الأمد مع حلفائها من كبريات الشركات العالمية. وكان التنوع في الأنشطة دائماً جوهر السياسة التي انتهجتها المجموعة في تنمية كل أعمالها، وفلسفة التنوع هذه تظل الأساس في استراتيجية النمو والتطور التي تتبعها المجموعة، من منطلق رؤيتها الدؤوبة نحو الريادة، وأن تعمل وفق أعلى معايير الجودة العالمية في الخدمات التي تقدمها لعملائها، وطبقاً للمبادئ المتعارف عليها في أخلاقيات المهنة بقيم الثقة والنزاهة والشراكة التي تحقق مصالح جميع الشركاء، والالتزام التام بالجودة والتركيز على الاهتمام بالعميل لنيل رضاه وحماسه بالأداء المتميز والإبداع والاستثمار في الموارد البشرية.
تعرف على الدروس التي تعلمها قادة الأعمال الناجحون خلال حياتهم العملية للوصول إلى ما نصبو اليه
81 عاماً من الإنجازات
سجل حافل بالاحداث منذ أسس الأخوان عبد العزيز ومحمد الجميح، شركة الجميح عام 1936، وكانت آنذاك مؤسسة تجارية صغيرة في مدينة شقراء. وشهدت هذه النقلة بزوغ فجر حقبة جديدة من التطور والتنوع في الأنشطة، وافتتح الأخوان خلال عشر سنوات من ذلك التاريخ، فرعين في جدة والدمام>
كما شهدت أواسط الخمسينات من القرن الماضي، حقبة ازدهار ضخمة طالت جميع مناحي الحياة الصناعية والتجارية والصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية، وتمكن الإخوان خلالها، من وضع حجر الأساس لشركة قدر لها أن تصبح إحدى ركائز الأعمال والتجارة السعودية، وتضم شركات عدة، تعمل في مختلف القطاعات الاستهلاكية والصناعية الرئيسة، وتبوأت في الأعوام التالية لتأسيسها مكانة رائدة في استيراد السيارات والإطارات وزيوت التشحيم والمعدات المتخصصة لأعمال البناء والزراعة، وبيعها.وتمكنت خلال مسيرتها من إرساء علاقات عمل وطيدة تطورت إلى شراكات مع شركات عالمية، مثلشل ويوكوهاما وبيبسي كولا وغيرها. ولا تزال المجموعة محافظة على كثير من هذه الشركات والعلاقات القديمة العهد حتى يومنا هذا.
ومع أفول القرن الماضي تمكنت المجموعة مرة أخرى من تطوير استراتيجيها لمواكبة النمو الاقتصادي البارز للمملكة، وتركزت هذه الاستراتيجية في الدخول في مشاريع جديدة متنوعة، كالاتصالات والطاقة والماء والنفط والغاز والبتروكيماويات. وظل التزام عائلة الجميح الثابت بمبادئ الشريعة الإسلامية جوهر مفهومها ورؤيتها، طوال مسيرتها، فهذا المزيج الرائع بين هذه القيم المتوارثة واتباع نهج تقدمي حديث في التعامل التجاري، هو الذي أكسب مجموعة الجميح شهرتها كياناً شامخاً متفرداً ورائداًفي المنطقة.
مؤسسة الجميح الخيرية
أسست عائلة الجميح مؤسسة خيرية خاصة، تعنى بالعمل الخيري الشامل داخل المملكة العربية السعودية، عبر دعم الجهات الخيرية المختلفة مادياً ومعنوياً، والإسهام في عقد شراكات لتنفيذ مجموعة من البرامج والمشاريع المتميزة لتنمية المجتمع وخدمته.فنشأت المؤسسة، امتداداً تاريخياً لأعمال البر والخير التي كانت تقدمها عائلة الجميح إلى المحتاجين وعابري السبيل، منذ زمن قديم، بمتابعة وتوجيه من الأخوين الكريمين الشيخ عبد العزيز، والشيخ محمد، رحمهما الله تعالى.وكانت بداية نشأة العمل الخيري المؤسسي مع بزوغ نجم الشركة، باستحداث قسم الأعمال الخيرية الذي يدعم مجموعة من أعمال البر والخير، عبر سلسلة من الجمعيات والمؤسسات الخيرية ذات التخصصات المختلفة.ومع مطلع عام 1424هـ تحول قسم الأعمال الخيرية إلى مؤسسة، وسجلت لدى وزارة الشؤون الاجتماعية في تاريخ 2/3/1424هـ، برقم 33.
جائزة الجميح للتفوق العلمي وحفظ القرآن الكريم
تعد جائزة الجميح للتفوق العلمي وحفظ القرآن الكريم، في محافظة شقراء من أهم الجوائز التي تؤدي دوراً كبيراً في تحفيز الطلاب والطالبات للتحصيل العلمي، إلى جانب دورها الرائد في التشجيع على حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، وتقديم حوافز مجزية للحفاظ، والمدرسين القائمين على تحفيظهم، ودعم المتميزين في هذا المجال، انطلاقاً من سعي عائلة الجميح الشخصي، وعبر مجموعة شركاتها التجارية أو مؤسساتها الخيرية، لتقديم كل ما يخدم الدين والوطن، وهو عمل تعاهد عليه مؤسسا المجموعة ومن بعدهما، تماشياً مع الغرس الخير الموجود فيهم جميعاً.