الغبقة الرمضانية.. كيف صمدت رغم عصرنة التقاليد ؟
لكل دولة من الدول عاداتها وتقاليدها الخاصة برمضان، وهذه العادات هي جزء من تراث إجتماعي يتم تناقله من جيل الى آخر.
بعض العادات والتقاليد الرمضانية بدأت تختفي وذلك لان رمضان بشكله المعاصر لا يشبه رمضان التقليدي. فغالبية العادات والتقاليد القديمة تم التخلي عنها إستبدالها بأخرى تتناسب مع الزمن الحالي.
بطبيعة الحال التحول هذا منطقي، بحكم أن غالبية التقاليد كانت تتناسب مع طبيعة الحقبات الزمنية القديمة وبالتالي هي لا تتناسب مع طبيعة الحياة بشكلها العصري. ورغم كل التبدلات والتحولات هناك بعض العادات التي ما تزال صامدة ومن هذه العادات الغبقة والتي ما تزال معتمدة بشكل كبير في دول الخليج العربي وإنما مع بعض التعديلات.
ما هي الغبقة؟
الغبقة هي عملياً عشاء رمضاني متأخر، أي أنها وجبة إضافية بين الإفطار والسحور وعادة يصار الى تناولها في وقت يسبق السحورولكن توقيتها يختلف بين دولة خليجية واخرى وقد يزيد أو ينقص ولكنه محصور بفترة متأخرة من الليل. فمثلاً في البحرين الغبقة تقام بين الساعة الحادية عشر والثانية ليلاً، اما في الكويت فهي بعد صلاة العشاء وفي السعودية هي بين أي وقت بعد الإفطار وقبل السحور وإن كانت عادة تسبق السحور بوقت قليل.
أصل الكلمة وفق بعض المصادر يعود الى الغبوق وهو حليب الناقة الذي كان أهل الخليج العربي يشربونه ليلاً قديماً، في المقابل بعض المصادر تشير إلى أن مصدر كلمة غبقة يرتبط بما يتناوله المرء ليلاً من اللبن والتمر. ويشار الى أن الغبقة قد تملك أسماء مختلفة
كالعشوة والتعتيمة وغيرها ولكن ورغم إختلاف التسمية المبدأ والألية والمواعيد هي نفسها.
العادة هذه ظهرت بداية القرن العشرين وكانت في السابق تقام في الحي الواحد حيث يجتمع الأهالي في بيت أحد أبناء الحي أو في خيمته فيتناول الرجال الطعام، ثم يحين دور النساء. وبعد تناول الطعام يتم تبادل أطراف الحديث حتى يحين موعد الموعظة التي كان يلقيها إما رجال الدين أو أحد كبار السن. الإجتماع الرمضاني المتأخر هذا كان محصور بأفراد العائلة الواحدة أو المعارف أو الأصدقاء.
ما الغاية منها؟
الغاية منها لم يكن لتناول الطعام بل هي مساحة للإجتماع وتبادل الاخبار وعيش أجواء رمضان. أي انها طريقة مختلفة لإجتماع الأسر والإقارب في شهر رمضان بحيث لا يكون موعد الإفطار حيث الكل منهمك ويعشر بالتعب ولا يكون السحور حيث الغالبية تنصرف عادة الى العبادة بل في توقيت محايد بحيث يكون الكل في حالة من الراحة البدنية. خلال الإجتماعات تلك كان يتم تبادل الاخبار والإستماع الى القصص أي أشبه بلقاء عائلي كبير أو لقاء من الأصدقاء والمعارف وسط أجواء من الفرح تساعد على تقوية الروابط.
في السابق كان هناك غبقات للرجال وأخرى للنساء وثالثة للشباب أحياناً، يجتمعون فيها لتناول الطعام ولتبادل الأحاديث والسؤال عن أحوال بعضهم البعض والترفيه عن النفس. وكان لا يشارك أي شخص غريب في الغبقة وذلك لكونها مخصصة للمعارف فقط.
كيف غير رمضان عادات استخدام مواقع التواصل بالمنطقة العربية ؟
تبدلت ولكنها ما تزال صامدة
الغبقة في الوقت الحالي لم تعد تقام بين الأهل فقط، رغم أن هناك بعض الفئات التي ما تزال تحرص على أن تكون كذلك. ولكن بشكلها العام الغبقة الحالية تقام بين الأصدقاء بشكل عام وبين زملاء العمل بشكل خاص فبغقات المؤوسات باتت هي الأكثرإنتشاراً في غالبية دول الخليج.
أيضاً الغبقة التي كانت تقام في منزل أو خيمة شخص من أفراد العائلة أو أبناء الحي باتت تقام في الفنادق والمطاعم والخيم الرمضانية ذلك لان الجهات التي تنظمها تحتاج الى مساحات واسعة لإستيعاب الأعداد الكبيرة التي يتم دعوتها، فكما قلنا هناك غبقات المؤسسات وهناك غبقات تقيمها بعض الجهات الحكومية.
البعض يعتبر أن تبدل الغبقات بهذا الشكل جعلها تبتعد عن الغاية منها وهي توطيد العلاقات إلا ان فئة اخرى تعتبر انها ما تزال تخدم الهدف نفسه بحكم أن غبقات المؤسسات ،والتي هي الاكثر إعتماداً في دول الخليج، تساعد على توطيد العلاقات بين الموظفين، كما ان الغبقات بين الاصدقاء والمعارف لها الغاية نفسها.
ولكن لو اخذنا على سبيل المثال غبقات الشركات والهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، والذي الغاية منها تعزيز علاقات المنتسبين اليها وتحسين العلاقة بين المسؤولين والعاملين، ولكن حين تقام فسيكون هناك كلمة يلقيها هذا الشخص أو ذاك أو حتى عدد من الأشخاص، فهي باتت رسمية اكثر مما يجب.
وطبعاً ومع انتقال الغبقات الرمضانية إلى الفنادق والخيام الرمضانية كان لا بد من جعلها «ترفيهية» فتم إدخال بعض الألعاب الشعبية والمسابقات التي ترفق بجوائز للفائزين إلى جانب إحياء بعض الأغاني الشعبية.
من البساطة الى البذخ والإسراف
في السابق كانت أطباق الغبقة متنوعة ولكنها كانت تشمل بشكل أساسي الأطباق الخليجية الشعبية كالثريد والهريس، وطبعاً المحمر الذي هو جزء أساسي من مائدة الغبقة رغم ان البعض كان يقدم المجبوس . كانت تقدم أيضاً أطباق الحلويات مثل الساقو واللقيمات أو النشاء أو العصيدة أو البلاليط بالإضافة إلى التمر والشاي والقهوة. ولكن ما هو مؤكد ان المائدة الواحدة كانت لا تتضمن أكثر من طبق أو طبقين.
المحمر لطالما كان ثابتاً وكان يختلف بشكل طفيف اذ انه في المنطقة الساحية للخليج العربي كانت الطبق هذا وجبة الغطاسين في البحر اما في المناطق الصحرواية فكان يستبدل السمك باللحوم. ورغم أن كل الأطباق تبدلت ودخلت عليها المأكولات الغربية لكن المحمر بشكل عام ما يزال صامد لانه من أساسيات الغبقة.
المشكلة مع الغبقة المعاصرة هي أنها إبتعدت الى حد ما عن الغاية الأساسية منها، فهي حالياً بوفيه مفتوح في فندق ما أو خيمة رمضانية ما وحتى قد تقام في منزل احدهم ولكن المائدة ستكون عامرة بكل الأصناف. والمبالغ التي يتم إنفاقها على الغبقات كبيرة جداً وهي تضاف الى الاعباء المالية المرتبطة برمضان.
احتساء الشاي الأحمر والسهرات العائلية.. تعرف على عادات السعوديين في رمضان