«اوبرا وينفري».. كيف تغلبت على «عُقده الماضى» وتحولت لواحدة من أقوى نساء العالم
أوبرا وينفري .. ملكة جمال تينيسي، إعلامية، ممثلة، كاتبة، منتجة تلفزيونية، سيدة أعمال ناجحة، مضيفة برنامج "علّم الناس مساعدة أنفسهم" عبر مبدأ الـSelf Help، فاعلة خير، ملكة البرامج الحوارية، أول مليارديرة عصامية سوداء في أميركا، صديقة النجوم والمشاهير.
كلها من بعض صفات الإعلامية الأشهر في العالم، وصاحيه الأسم الأنثوي الأكثر تأثيرًا أوبرا وينفري، إحدى أقوى نساء العالم، والتي لم تسعَ يوماً إلى إسدال الستار على طفولتها البائسة القاسية والمشتتة وحياتها الصعبة، متغلبه بذلك علي ما يسمى بـ"عُقده الماضى"
ولدت مقدمة برنامج أوبرا شو، في 29 يناير عام 1958م بولاية الميسيسبي في الولايات المتخدة لأسرة شديدة الفقر، لمراهقين لم يتزوّجا، ولم يعيشا قصة حبّ، بل آلتقيا مرة واحدة، وأقاما علاقة جنسيّة، ثمّ انفصلا، والدها Vernita Lee كان حلاقاً بالإضافة إلى عمله ببعض الاعمال التجارية الصغيرة، والدتها Vernon Winfrey كانت تعمل في خدمة البيوت.
عاشت أوبرا التي تبلغ اليوم الستين من عمرها، طفولتها في عائلة فقيرة جداً، وتربّت مع جدّها وجدتها في الميسيسيبي، حتى أصبحت في السادسة من عمرها، وكانت ترتدي أثوابًا مصنوعة من أجولة البطاطس؛ مما كان يعرضها لسخرية الأطفال من سنها.
وبعد دخولها روضة الأطفال، رأت مدرسّة أوبرا وينفري أنها لا تُشبه باقي الأطفال، ولا تنتمي إلى بيئتهم، فطلبت من المدير نقلها إلى الصف الأوّل، لأنّ نسبة ذكائها تؤهلها للحلول في صف الروضة الأولى.
وفي مدرسة East Nashville High School، حصلت أوبرا على لقب الطالبة الأكثر شعبية، نظراً إلى علاقتها الجيّدة بجميع الأساتذة والتلاميذ والزملاء، كانت في هذه الفترة من أكبر المعجبات بالنجم العالميMichael Jackson، وكانت تشجّع دائماً على حضور حفلاته الغنائية، بالرغم من وضعها الماديّ السيئ.
وعندما بلغت الثانية عشر من عمرها انتقلت للعيش مع امها، وفي سنّ الرابعة عشر تعرضّت للتحرش الجنسيّ والإغتصاب على يد أحد أقاربها، نتيجة لذلك حملت بطفلها الأوّل، إلا أنّ مولودها لم يكتب له العيش طويلًا، وتوفي مباشرة بعد ولادته بساعات قليلة، وحُرمت من بعدها نعمة الأطفال.
وكان لهذه الأحداث المأساوية تاثير مباشر على حياتها، حيث أدمنت في فترة من حياتها خلال مراهقتها، على تناول الحبوب المخدّرة والمهلوسة، وتطوّر بها الأمر إلى حدّ تعاطي الهيرويين والكوكايين.
أرادت والدتها والتى فقدت السيطرة عليها، وعلى تصرفاتها الخارجة عن الحدود حينها، أن تتخلص من مسئوليتها وترسلها الى أحدى دور الرعاية والتأهيل، فأُرسلتها إلى مركز juvenile hall لإعادة تأهيل الأحداث، ولكن لحسن حظ أوبرا وينفري لم يتوفر لها مكان..
فقررت والدتها أن ترسلها للعيش مع والدها رجل الأعمال في ناشفيل، ,الذي قام بتعليمها وتأديبها تأديبًا صارمًا، وتحت قبضته الحديدية تغيرت حياة أوبرا، وتنقلت ما بين منازل لوالدها عدة وجدتها وأقربائها.
وعلى الرغم من عائلتها المفككة والظروف الإقتصادية والإجتماعية الطاحنة، قررت أن تستمر في تعليمها، فتخرجّت من جامعة Tennessee..
وتمكنت من التفوق والنبوغ في دراستها على جميع زملائها، إلى أن أصبحت من أوائل الطلاب الأمريكيين ذوي الأصل الأفريقي، الذين يدرسون في جامعة الولاية من خلال منحة تعليمية، لتحصل على بكالوريوس في الفنون المسرحية.
كما حازت أثناء دراستها على لقبMiss Black Tennessee ، لتجذب إليها الأنظار، ويسند إليها العمل كمراسله في محطة إذاعية محلية WVOL، ليبدأ مشوارها الإعلامي وحياتها المهنية وهي في سن السابعة عشر، حينما دخلت إلى الإذاعة.
وبعد ذلك وهي في عمر التاسعة عشر أنتقلت للعمل في تلفزيون Nashville، وقيل حينها إنها أصغر مذيعة في تاريخ المحطة، عانت من الفشل في أوّل مسيرتها، عندما أخرجت منتج الأخبار في WJZ-TV عن طوره، ففصلها من النشرة، لأنها تُصبح عاطفيّة عند نقل الأخبار كمراسلة إخباريّة في النشرة المسائيّة، وعرض عليها دوراً في برنامج نهاريّ.
عام 1982م، كانت تشارك في تقديم الأخبار للتلفزيون المحلي في بالتيمور، ماريلاند، ومن ثم أعجب بها المسؤولون في محطة "دبليو إل إسWLS " في شيكاغو، والتى تعد ثالث أكبر مدينة إعلامية في أمريكا، وطلبوا منها الحضور للقيام بتجربة الأداء لبرنامج طبخ..
ومع أنها لم تكن تعرف أي شيء عن الطبخ والوصفات، إلا أن هذا لم يصدها، وكان من الطبيعي أن تشعر بالخوف من قبول عمل غير مألوف بالنسبة لها، لكنها تخطت ذلك عن طريق قدرتها الدائمة على مواجهة مخاوفها.
ثم ذهبت لقناة ABC العالمية؛ لتعرض عليهم تبني برنامج طبخ خاص بها، غير أنهم رفضوا، ففي تلك اللحظة شعرت بالإستياء الشديد، ولكنها لم تدع ذلك يعيق تقدم حياتها، حيث أنها لم تسمح لأحد بتصغير حلمها.
وبحلول عام 1985م كانت خطوات أوبرا تتجه نحو أن تصبح ممثلة، وذلك بعد أن شاركت في دور رئيسي في فيلم المخرج الكبير "ستيفن سبيلبيرج" "اللون الأرجواني" الذي رُشّح لتسع جوائز أوسكار، وبعدها نالت أوبرا العديد من العروض السينمائية والتلفزيونية.
انقلبت حياتها حقاً رأساً على عقب بعد أن بدأت عام 89 تقديم البرنامج الأشهر على مستوى العالمأوبرا Show، وهو برنامج يومي بدأ بتسليط الضوء على القضايا الإجتماعية التي تهم المجتمع الأمريكي، وحقق نجاحاً استثنائياً بفضل الحضور الطاغي لمقدمته وطريقة حوارها، لتصبح نموذجاً إعلامياً هاماً على مستوى العالم.
وفي أوائل التسعينات تحولت جميع البرامج الحوارية لتقديم مضمونًا تافهًا بإستثناء برنامج أوبرا حيث زادت شهرة البرنامج ،وتحول مع الوقت كجزء أصيل من الثقافة الشعبية الأمريكية، ويتصل بكل تفاصيل حياتهم، لتصوّر أوبرا عدة حلقات تاريخية مع نجوم ورموز المجتمع الأمريكي..
وتزداد بمرور الوقت شهرتها لتصبح عالمية، ويعرض برنامجها في أكثر من 100 دولة على مستوى العالم، فأنشئت بعد ذلك شركة انتاج خاصة بها تسمي Harpo (أوبرا بالمقلوب)، وإستديو في شيكاغو؛ لتصبح بذلك ثالث امرأه تملك شركة إنتاج، وكانت في طريقها لتصبح اول بليونيره سوداء، فقد جمعت 97 مليون في عام 1996 فقط.
ومنذ عام 1995م لم تخلُ قائمة لمجلة فوربس الاقتصادية لأكثر 400 أمريكي ثراء من اسمها، وأعتلت القائمة ثلاث سنوات متتالية هي 2004م و2005م و2006م ومن أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم، وبلغ دخلها السنوي 225 مليون دولار، وأصبحت أول بليونيرة سوداء في العالم؛ إذ تقدر ثروتها بـ2.5 بليون دولار.
استقطب برنامج أوبرا الملايين من حول العالم، وحققت من خلاله ثروة كبيرة، وبات الأعلى من حيث نسبة المشاهدة في تاريخ التلفزيون، وحصلت على جوائز "إيمي"، بالإضافة إلى أنها ناقدة أدبية مرموقة وناشرة صحفية، مما جعلها ثاني أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم حسب مجلة فوريس عام 2005م، عوضاً عن كونها واحدة من أغناهم أيضاً، وهي اليوم تملك طائرة خاصة.
وقدمت أوبرا آخر حلقات برنامجها في الخامس والعشرون من مايو 2011م، بعد أن قررت الإعتزال بشكل نهائي، والتفرغ ﻹدارة شبكة القنوات الفضائية الخاصة بها OWN .
اشتركت أوبرا وينفري في كتابة خمسة كتب، منهم كتابها حول فقدان الوزن الزائد الذي نشرته مع مدربها الخاص عام 2005 وحقق أرباح عالية حول العالم، ويصبح الكتاب الأول على قائمة الأكثر مبيعًا حتى جاء كتاب مذكرات الرئيس بيل كلينتون ويتفوق عليه.
ومنتظر نشر مذكراتها الشخصية عام 2017 تحت عنوان The Life You Want، وقامت وينفري بالعمل على نشر مجلة O, The أوبرا Magazine في الفترة ما بين عامي 2004 و2008، وذلك نشرت مجلة بعنوان O at Home.
وعام 2002 اعتبرت فورتشن أوبرا وينفري أنجح رائدة أعمال في مجال النشر، ولكن ذلك لم يمنع انخفاض تداول هذه المجلات بأكثر من 10% بالفترة ما بين عامي 2005 إلى 2008، لكن نسخة يناير 2009 كانت الأكثر مبيعًا منذ عام 2006، وقراء هاتين المجلتين كانوا من الطبقة فوق المتوسطة، وهو عكس الطبقة المستهدفة والمحبة لبرنامجها الشهير.
وقد عانت طوال حياتها من زيادة وزنها، وشكّل لها هذا الأمر عقدة، لأنها لم تكن راضية عن شكلها بتاتاً، ولا يعرف عنها أنها تزوجت، ولكن في عام 1986م، عاشت علاقة حبّ مع الكاتب ورجل الأعمال Stedman Graham، ثمّ أعلنا خطوبتهما، واتفقا على الزواج في الـ1992..
إلا أنّ هذا الزواج لم يتمّ، وخلال عملها في Baltimore، وقعت أوبرا في غرام رجل متزوج، واستمرّت علاقتها به 4 سنوات. لكنّها رفضت الكشف عن هويته أو إسمه.
النجاح المادي يزودك بالقدرة على التركيز على الأمور المهمة فعلاً، ومنها أن تكون قادراً على إحداث الفرق ليس في حياتك وحسب بل في حياة الآخرين.
انتقال أوبرا وينفري من حياة الفقر والشقاء إلى حياة الشهرة والرفاهية لم يغيّرها، فرغم تصدرها قائمة النجوم الأكثر نفوذاً في العالم، فهي تُعد من أكثر الشخصيات الإنسانية حول العالم، حيث إنها أسّست العديد من الجمعيات الخيرية، وتتبرّع بشكل مستمرّ للفقراء والمحتاجين.
يصعب إختصار مسيرة أوبرا الحافلة بكلمات أو حتى بصفحات، كما يصعب غض النظر عن إنجازاتها وبصماتها الواضحة في المجتمع الأميركي والعالمي، عبر إتخاذها الحد من أوجاع الإنسان هدفاً نبيلًا لبرنامجها الشهير، الذي أستمر بنجاح على مدى 27 عاماً.
وقد صُدم العالم كله مؤخرًا، وهلع مُحبي أوبرا حول العالم، وسيطرت عليهم حالة من الحزن، عقب شيوع خبر إصابتها بورم سرطاني متقدم في المرحلة الرابعة، أكتشفه الأطباء المعالجين لها بعد فحص روتيني عادي، وقد لا يبقى في حياتها سوى أيام أوشهور معدودة، حسب ما ذكره موقع omojuwa البريطاني.
فأنهالت الدعوات لها بالشفاء عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، فسارعت المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا، بالتعليق على انتشار نبأ إصابتها بمرحلة متأخرة من مرض السرطان، وطمأنت معجبيها بأنها في حالة صحية مستقرة، وأنها لازالت قوية..
كتبت عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: « ما زلت قوية، لا أعرف نقاط ضعف بداخلي»، وأشارت إلى أنها حكيمة، لكنها «حمقاء»، وإنها كثيراً ما تضحك لأنها عرفت معنى الحزن، إلا أن بعض المصادر الأخرى أشارت بعد ذلك أن مرضها بالسرطان ليس حقيقيا وماهي إلا شائعة.
قصة أوبرا وينفري تحث على دحض المتاعب و اليأس، فـ مثل تلك الشخصيات خرجت من داخل الألم و العيشة السيئة؛ لتظهر بين مجتمعها بمثالٍ لا نظير له، فأمثالها هؤلاء لا يموتون بل يخلدهم التاريخ بحروف مضيئة.
والحق يُقال أنَّ الإنسان حينَ يريدُ الحياة، و يسعى في أن يكون كما يُحب، سـ يتحدى كل ما يعيقه من ظروف، لا أن ييأس لـ مجرَّد طفولةٍ أليمةٍ عاشها, أو مجتمع ينظر لها بـ نظرة دونية، أو مرض عُضال يواجهه.
ومن المقرر أن يحل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ضيفا على الإعلامية الأمريكية، اليوم، من خلال حلقة استثنائية في برنامجها، قبل أن يختتم زيارته الطويلة للولايات المتحدة.