شاهد| عائلة فقيه في جدة.. بداية محرقة صنعت قصة مشرقة
عائلة فقيه في جدة السعوديه اسم يعرفه كل سعودي، كيف لا و هذا الاسم التجاري العريق أصبح أحد المكونات الاساسية في موائدهم، عبر منتج عائلة فقيه في جدة الشهير "دجاج فقيه"، بالاضافة الى عدد من الاستثمارات في مجال الغذاء والمستشفيات والتعليم والتطوير العقاري والترفيه.
نتوقف في مجلة الرجل عند عائلة فقيه في جدة العريقة، في مرحلة حاسمة من مراحلها التجارية فهي تنقل راية التجارة والعمل إلى جيلها الثالث من الشباب.
شاهد| زفة عريس على كورنيش جدة تثير جدلا.. كيف تتصدى المملكة لهذه الوقائع ؟!
أصل عائلة فقيه في السعودية
بدأت قصة عائلة فقيه في جدة من دكان صغير في مكة المكرمة، لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار مربعة، مع عميد الأسرة الشيخ عبدالرحمن فقيه الذي نشأ في بيئة صعبة، شأنه شأن أبناء جيله، وعاش حياة أجبرته على ترك الدراسة، غير أنه تعلم منها ما لا يمكن لكثير أن يتعلموه اليوم في أرقى جامعات العالم.
بعد أن تعلم عبد الرحمن الخط في "كَتّاب" المسجد، ترك الدراسة، ليساعد والده في دكانه الصغير في بيع الأصباغ والخيوط الحريرية والقطنية والقصب والَترتر بالتجزئة، بعد الحصول عليها من الموِرّد المحلي، وكان العمل شاقًاً متصلاً طيلة النهار، يبدأ بصلاة الفجر وينتهي بصلاة العشاء.
لكن نفس الفتى عبد الرحمن التواقة وهمته العالية ، أبت إلا أن تكون له بصمته الخاصة في كل عمل يضطلع به، فطَّور الشيخ عبد الرحمن نفسه، وتعلم الإنجليزية وتواصل مع العالم الخارجي بلغته، فتحول من زبون لأحد الموردين المحليين، إلى مستورد رئيسي لبضاعته التي كان يبيعها بقرشين وثلاثة.
وهكذا وظف الشاب الطموح مميزات شخصية وتفكير متقدم، ليتحول من تاجر في دكان صغير، إلى قدوِة رجال الأعمال، ومن أبرز الرموز الاقتصادية النابهة في السعودية اليوم ، ومثاٍل يحتذى لطالبي النجاح في الأعمال الكبيرة والمشروعات العملاقة المتميزة لأكثر من نصف قرن.
أصل عبدالرحمن فقيه
يقول مؤسس بيت فقيه التجاري: " ولدت في مكة المكرمة، عام 1343هـ، في عائلة متوسطة الحال تسكن منزلاً متواضعاً في شِعْب عامر، وهو من احياء مكة المعروفة، وهناك مثل دارج يقول "أهل مكة أدرى بشِعابِها"، وينسب إلى عامر بن لؤي، وأصله رباع بني عامر وقد اختصر اهل مكة التسمية الى شعب عامر، وهو جزء من شعب بني هاشم .
أبناء و بنات عبدالرحمن فقيه
والدي هوعبد القادر بن محمد فقيه، رحمه الله، كان من الذين حفروا الصخر، سعياً للحصول على لقمة العيش، وليوفر حياة طيبة لأسرته، عمل عند الشيخ قاسم حريري، الذي توسّم فيه الخير، فزوجه ابنته التي انجبت منه سبعة من الابناء والبنات، اكبرهم محمد الذي يكبرني بخمس سنوات، وهو شاعر وأديب، بدأ حياته في سلك الدولة، وكان آخر منصب تولاه، هو المدير العام للمطبوعات في مكة المكرمة. ثم جئت الى الدنيا بعده، ولحق بي عمر الذي كان آخر منصب له، هو وزير الدولة، وعضو مجلس الوزراء، ورئيس ديوان المراقبة العامة، ثم الدكتور سليمان رحمه الله، وهو طبيب باطني، تدرج في وظائف قيادية عدة في وزارة الصحة، ثم تفرغ لعيادته الخاصة، حتى انشأ مستشفاه الذي يعدّ من اهم المستشفيات الخاصة وأكبرها في الشرق الاوسط.
وكان آخر اشقائي صالح، رحمه الله، الذي أنشأ مصنعاً للبلاستيك، وهو الابن الخامس، وهناك شقيقتان جواهر وفاطمة. وتزوج ابي، رحمه الله، زوجة ثانية رزقه الله منها بابنين وبنت، هما اخواي عبد الله ومصطفى رحمهما الله، وأختي خديجة. وكان والدي صارماً في تربيته لنا جاداً حازماً. وكانت حياتنا متقشفة، فلم نعرف في طفولتنا الحدائق ولا الملاعب ولا وسائل الترفيه التي يتمتع بها اطفال اليوم. وعندما بلغت السابعة أدخلني والدي في كتّاب قريب من دكانه، وهو مسجد فيه "فقيه" هو امام المسجد، واسمه الشيخ حزين، وكان رحمه الله، رجلاً فاضلاً قدم الى مكة من مصر واستوطن فيها، والدراسة كانت على الواح يكتبها الفقيه، وطريقة التدريس المستخدمة هي الاسلوب القديم الذي يتعلم فيه الطفل حروف الهجاء ونطقها مع تشكيلها.
مع بلوغي العاشرة، ارسلني والدي مع صديق له لأسجل في المدرسة السعودية الابتدائية التي كان اسمها "مدرسة المعلاة التحضيرية"، ثم سميت "المعلاة الابتدائية"، وأُسست في العهد التركي عام 1302هـ، باسم "المدرسة الرشدية"، وكانت الدراسة باللغة التركية منذ تأسيسها حتى عام 1335هـ، حيث استخدمت اللغة العربية في التدريس.
اما وضع مكة الاقتصادي، فقد كان الحجّ والعمرة ولايزالان هما عماد اقتصاد هذه البلاد. وكانت الطوافة هي المورد الرئيس لاغلب الاسر، وعنصر المنافسة لخدمة الحاج من اهم الوسائل التي ارتقت بخدمة الحجاج. ومن اهم مميزات المجتمع المكي، أن أي صاحب متجر او دكان يفهم لغات عدة تتعلق بمهنته، وكان صاحب الدكان يجلس فيه هو وأبناؤه .
كان مجتمع مكة فيما مضى، مجتمعاً بسيطاً يحتك بالشارع، ويواجه الزبون ويختلط بعضه ببعض؛ كان مجتمعاً متعاطفاً يعرف الجار جاره. اما المواصلات فقد كانت بالدواب او مشياً على الاقدام .
ومع مرور الايام، كبرت اسرتنا وكثرت مسؤوليات الوالد، فقرر ان ينفصل في عمل مستقل، وهنا علمني الا أبقى موظفا او اجيرا طيلة حياتي، أن أفكر في الاستقلال والعمل التجاري الحر. واستقل بتجارته في البيع بالتجزئة وفتح دكانا لحسابه في شارع المدعى.
وكانت دراستي في المدرسة لاتشغلني ولا تمنعني عن العمل في الدكان، فبعد انتهاء ساعات الدراسة، اذهب الى الدكان وأساعد والدي في صباغة الحرير والخيوط والقطنية، وتعبئة بعض الاصبغة في علب تغلف بأوراق تعدّ علامة تجارية باسم الوالد رحمه الله .
نصائح مؤسس «علي بابا» لراغبى النجاح في عمر العشرين والثلاثين
الشهادة الابتدائية كالشهادة الجامعية
حيمنا تخرجت في المدرسة الابتدائية، كنت فرحاً بهذه الشهادة وكان تقدير المجتمع للشهادة الابتدائية كبيرا، الى درجة ان الأمير (الملك) فيصل بن عبد العزيز، نائب الملك عبد العزيز في الحجاز، آنذاك، يسلّم الشهادات للطلاب المتخرجين بنفسه، من باب التشجيع.
بعد الحصول على الشهادة الابتدائية تفرغت للعمل في الدكان الذي يعتمد رأس ماله على الاصبغة، وكانت في ذلك الزمان سلعة ضرورية، فقد كانت اكثر الاقمشة التي تستورد بيضاء، ويلونها الناس حسب رغبتهم، اما الثياب البيض، فلم تكن تلبس الا في يوم الجمعة والاعياد، ماعدا قلة من الناس لايلبسون الملون، هم العلماء والموظفون والمشايخ والاعيان. وتجارتنا كانت تتركز على بيع الأصبغة بالجملة والتجزئة، فيطلب الزبون، على سبيل المثال، صباغاً ازرقَ بقرشين وآخر زيتونيا بثلاثة قروش... وهكذا.
وكانت التجارة في مكة المكرمة في ذلك الوقت، تعتمد اعتماداً شبه مطلق على مستوردين من تجار جدة، فلم يكن عدد المستوردين في مكة يزيد على اصابع اليد الواحدة، وبهذه الخطوة التي وفقني الله بنجاحها اصبح دكاننا على مستوى التجار المستوردين وشكل هذا نقلة نوعية في مسيرتنا التجارية حيث تفتحت افاق كثيرة امامي تمثلت في تنويع مصادر تجارتنا الى اكثر من الصباغ وبيع القصب والعقل والترتر.
ومع ذلك لم اركن إلى هذا النجاح، فقد كنت على الدوام ابحث عن نوع من التجارة غير مسبوق وغير موجود في السوق، مما يلبي احتياجات المستهلك، فقد قاسيت كثيراً للتغلب على المصاعب حتى توصلت الى تعلم الانجليزية، بالقدر الذي يؤهلني لمراسلة الشركات الاجنبية في أمريكا وأوروبا، وكانت الرسائل المتعثرة بالكاد مفهومة لديّ، لمعرفة رغبتنا في البضاعة وفي الموافقة او عدم الموافقة على الاسعار، بفتح الاعتمادات لهم باستيراد البضاعة المطلوبة.
عائلة فقيه في جدة بعين صالح كامل
يقول الشيخ صالح كامل، شيخ تجار جدة "طَّور الشيخ الوجيه عبدالرحمن فقيه الواقع، وعمل على تحسينه، من أجل إسعاد الناس، فهو يتاجر من أجل توفير احتياجات البسطاء ولا يتاجر بهم".
اهم منعطف في حياة عائلة فقيه في جدة
كان يرد الى مكة من بعض القرى المجاورة كميات محدودة من الدواجن والبيض الذي ينتج في المزارع المختلطة، او لدى الهواة والباحثين عن ربح اضافي زهيد، وقل ان يصل البيض سليماً، اذا لايوجد مقياس لسلامة البيض الا بكسره بعد شرائه، وقد تكون هناك ثلاث بيضات سليمة من كل عشر. كما كان يصلنا من اليمن كميات بسيطة من الدواجن، عبر وسائل مواصلات بدائية كالجمال والحمير والمراكب الشراعية.
ولم يكن الدجاج او البيض في فترة السبعينات، سلعة غذائية يعتمد عليها وكان الذي يريد ان يقيم حفلاً يتطلب كمية كبيرة من البيض لاتزيد على 300 بيضة، لصنع الحلويات والمعجنات، ولكنه لايستطيع ان يحصل عليها في يوم واحد او يومين، فكان لزاماً عليه ان يتصيد البيض اللازم والوارد لأيام عدة، حتى يوفر الكمية المطلوبة.
ولم يكن لديّ في ذلك الوقت، أي توجه لدخول صناعة الدواجن مجالاً تجارياً، لكن الفكرة كانت تستهويني كثيراً، فقد كنت استعرض في ساعات فراغي تلك الدورة الطويلة التي تمرّ بها تجارة الدواجن، في محيطها الضيّق جداً، وكنت أسأل نفسي: لماذا يظل تناول البيض والدجاج محدوداً جداً؟ ولماذا لا يحصل الجميع عليهما، في الوقت الذي يريدونه، دون تكلف المشاق والبحث عنهما في الحلقة، ودون انتظار قوافل المزارعين ومربي الدجاج، حتى تصل الى مكة او إلى اي جزء آخر من بلادنا.
في عام 1370هـ، كنت في زيارة إلى الرياض، ودعاني وصديقي الشيخ بسام البسام، صديقنا المهندس محمد علي مكي، إلى زيارة مزارع الخرج التابعة للقصور الملكية التي كانت تحت إشراف المرحوم الشيخ عبد الله السليمان، وزير المالية الاول والاشهر، وكان يعمل مديراً لها، وأصبح ، فيما بعد، وكيلاً لوزارة الزراعة، وكانت تشمل تربية الابقار والعجول والدواجن، وشدّت انتباهي الرعاية شبه الفنية التي تحظى بها الدواجن، من فقاسات وأمهات الدواجن والدجاج اللاحم، وإن لم تكن قد انشئت على نطاق تجاري، بل اوجدت وهيئت للاستخدام الخاص، والفائض منها يعرض في السوق وعلى نطاق ضيق جداً.
وكانت هذه الزيارة حاسمة في مسيرتي العملية، فقد شعرت منذ تلك اللحظة بأن الدجاج والبيض، هما المنتج المستقبلي الذي تتطلبه حاجة البلاد، وعقدت العزم حينها على ان يكون هذا هو المجال الذي سأطرقه، ان شاء الله، خاصة بعد ان زاحمنا المنافسون في تجارة السمن النباتي، وتوقع ان الدواجن سوف تكون سلعة جديدة تغزو الاسواق بكل امكانياتها وعطائها، لاسيما في ظل ارتفاع اسعار لحوم الاغنام والابقار، وسوف يقدرها ويقبل عليها المستهلك وتصبح طبقاً رئيسياً على مائدة الأسرة، اذا توافرت بكميات كافية وأسعار مقبولة، وتيسّر الحصول عليها في كل مكان.
فقيه للدواجن
اهم مميزات وعناصر نجاح قصة فقيه ان المؤسس كان من الرواد، كما انه كان فطناً لم يمكن ان يحمله قادم الايام، فأسس مزارع فقيه للدواجن، التي تعد اليوم أكبر مؤسسة فردية متكاملة لإنتاج الدواجن والبيض على مستوى العالم، فأصبح بذلك أول من أدخل صناعة الدواجن الحديثة في البلاد باعتراف دولي، منحها أربع شهادات من (الأيزو). فضلاً عن سلسلة مطاعم "الطازج"، التي تعد أيضًا أول سلسلة وجبات سريعة على مستوى عالمي منشؤها المملكة.
قدم الشيخ عبدالرحمن أفضل أنواع الدجاج والأطعمة، وعندما استقر هذا النشاط التجاري قرر ان يطرق باب التطوير العقاري، فكانت شركة مكة للإنشاء والتعمير، مشروع تطوير جبل عمر، مدارس عبدالرحمن فقيه النموذجية في مكة المكرمة والمشروعات السياحية العملاقة في جدة؛ فضلاً عن مجموعة فقيه للمشاريع الزراعية، التي تضم إلى جانب مزرعة الدواجن، مزارع أخرى للتمور.. وغيرها من مشروعات اقتصادية واجتماعية عدّة، فتحول الشيخ عبد الرحمن، من تاجر يبيع الأصباغ والخيوط والعقل والَّترتر، بقرشين وثلاثة قروش، إلى مؤسس ورئيس مجلس إدارة وعضو في أكثر من خمس وعشرين مؤسسة.
يعدّ فقيه اليوم أحد أبرز أعمدة الاقتصاد السعودي في القطاع الخاص، فقد استثمر الرجل في السياحة ايضا بمشروعات عملاقة، عبر "مجموعة فقيه للمشاريع السياحية".
الوفاء والامانة في عائلة فقيه في جدة
يرى الشيخ عبدالرحمن فقيه، أن أسباب النجاح، إلى جانب الإيمان بالله والثقة به، والتوكل عليه، في كل صغيرة وكبيرة، تكمن في مخافة الله والصدق والأمانة والتسامح والرقي في التعامل، والوفاء بالعهود والعمل الدؤوب، والنظر إلى حاجة المستهلك والإبداع في كسب رضاه، والمنافسة الشريفة، والتميز في العمل وعدم تقليد الآخرين في ما يمارسونه من أعمال، والقناعة بالربح المعقول.
قصة وباء الدجاج
رفضت عائلة فقيه في جدة زيادة سعر الدجاج، عندما أصيب جميع الدجاج في مكة المكرمة تقريباً، ما عدا دجاج مزارع فقيه، بمرض قضى عليه. فرأى عميد الاسرة ، أَّلّا يزيد السعر، بصرف النظر عن ندرة المنتج المعروض للبيع. فضلاً عن توظيف العلم والاستعانة بأصحاب الخبرة والتجربة والمشورة والثقة بالعاملين معه؛ وقرر استثمار المال في الإنفاق على الأبحاث العلمية والتعليم، فأسس "مركز فقيه للأبحاث والتطوير". ويلخص الشيخ عبدالرحمن فقيه هذا كله بالقول: "الحياة لا تبتسم إَّلا لمن يجتهد ويتعب ويتوكل على الله في البحث عن الأفضل، بكل الطرق الأخلاقية الشريفة المتاحة أمامه"