لماذا يكره الجيل الحالي المطالعة ؟
الأمر يتجاوز عدم الرغبة بل يصل الى حد الكره. ندرك بأن كلمة كره قوية جداً لوصف العلاقة التي تجمع الجيل الحالي بالكتب والمطالعة.. ولكنها وصف دقيق للواقع الحالي.
ولكن كي لا نظلم الجيل الحالي علينا أن نقول بأن العزوف عن القراءة والمطالعة ظاهرة تشمل الجميع.. فهي سمة العصر الحالي وتضم الصغار والكبار الى حد ما. ففي دراسة تمت في العام ٢٠١١ تبين بأن ٢٥٪ من العرب لم يطالعوا كتاباً واحداً في حياتهم من أجل متعتهم الشخصية وأن معدل قراءة العربي هي ٦ دقائق سنوياً.
الذين يطالعون وبشكل دوري فئة نادرة.. الكتاب بيد شخص ما منظر غير مألوف، أما الهاتف فهو مألوف ومقبول وطبيعي.
ولكن الجيل الأكبر سناً والذي بدوره عازف عن القراءة على الأرجح يعاني من الخمول لا أكثر ولا يمكن القول بأنه يكره المطالعة، ولكن الجيل الحالي يكرهها وبشدة.فما هي الأسباب التي جعلته يكن هذه المشاعر تجاه المطالعة؟
المطالعة تذكير بالدراسة
فليحاول كل واحد منكم إقتراح قيام أي من أولادكم أو أولاد شخص تعرفونه،في حال كنتم غير متزوجين، بمطالعة قصة ما خلال عطلة نهاية الأسبوع.. بطبيعة الحال سيكون هناك الإعتراض ثم الرفض ولعل ربط مطالعة القصة بالدراسة سيرد خلال الجمل المتلاحقة التي ستنهمر عليكم من كل حدب وصوب.
القراءة تذكرهم بالمدرسة، والمدرسة هي حفظ وتلقين وتعب وإنهاك وعليه فإن موقف العداء هو تجاه الكتاب بحد ذاته، مهما كان نوعه ومهما كانت نوعية المادة التي يتضمنها، وهذا العداء محفور في نفوسهم. المشكلة هذه معقدة بعض الشيء لأننا لا يمكننا تغيير مناهج التعليم والتربية في وطننا العربي ولا يمكننا تحويل المدراس الى مكان «ممتع» للتلميذ لأنها وبغالبيتها الساحقة ما تزال تعلم في أطر كلاسيكية قائمة على التلقين وتقييم التلاميذ وفق علاماتهم.
ولكن ما يمكن للفرد فعله هو العمل على التخفيف من حدة مشاعر العدائية التي يكنها الطفل أو المراهق للكتاب.. لأن الكره هذا سيستمر معه خلال مراحل النضوج وحين يصبح أباً.
القراءة باللغة العربية عقاب
هناك نسبة نجاح محدودة لإقناع الجيل الحالي بمطالعة الكتب التي تكون بلغة أجنبية، ولكن إقناعهم بقراءة كتاب أو قصة باللغة العربية شبه مستحيل. هناك عدة أسباب ترتبط بهذه النقطة تحديداً والبداية مجدداً هي المدرسة. هناك ضعف كبير في اللغة العربية عند الجيل الحالي، وهناك كره لهذه المادة التي يعتبرونها معقدة وصعبة رغم أنها لغتهم الأم. صحيح أن اللغة العربية صعبة ولكن الخلل الكبير يكمن من المناهج التربوية وآلية تدريسها بالإضافة الى عدم قدرة العربية على منافسة اللغات الأجنبية التي تهيمن على يوميات الجيل الحالي. فكل ما يستخدمونه هو بلغة أجنبية وعليه تأتي اللغة العربية وتهبط عليهم وكأنها من كوكب آخر.
المشكلة الأخرى تتعلق بنوعية الكتب، فإما الكتاب لا يعرفون مزاج الجمهور أو الجمهور لا يرضيه شيء ولكن الواقع يؤكد أن الإقبال على شراء الكتب هزيل للغاية. وحتى الفئة التي تقرأ فهي تعتمد على الكتيبات الصغيرة والمجلات بشكل عام لا على الكتب.
المشكلة الثالثة ترتبط بواقع أن العربي بشكل عام يحتاج لأن يفهم ما يقرأه حتى قبل القراءة.. وهي مضاعفة عند الجيل الحالي.
ومن البديهات.. التكنولوجيا والملهيات العديدة
بطبيعة الحال التكنولوجيا قتلت أي علاقة محتملة بين الجيل الحالي والكتب. ورغم أن التكنولوجيا جعلت العالم كله تحت تصرفهم وبالتالي يمكنهم البحث عن أي كتاب يريدون وقراءة كل ما يهمهم ولكن كل إهتمامهم محصور بعدد محدد من الخيارات، مواقع التواصل الإجتماعي، تطبيقات المحادثات الفورية، مشاهدة الفيديوهات وإلتقاط ملايين الصور ونشرها.
الملهيات كثيرة والوقت يبدو ضيقاً وعليه فإن الجيل الحالي يسير مع التطور بسرعة قياسية. هذه السرعة جعلته عديم الصبر فهو لا يمكنه إحتمال فكرة الإمساك بكتاب والجلوس في مكان واحد ولو لعشر دقائق.
في الواقع المشكلة هذه لا ترتبط فقط بالعالم العربي بل هي مشكلة عالمية، فحتى الشعوب الغربية التي كانت فيما مضى مدمنة قراءة باتت حالياً تصرف النظر عنها لصالح مواقع التواصل والتلفزيون والفيديوهات وحتى نوعية الكتب التي يتم مطالعتها مختلفة كلياً عما كانت عليه سابقاً، فالغلبة حالياً لروايات الرعب، والإباحية مثل فيفتي شايدز أوف غراي وغيرها.
الأهل يتحملون المسؤولية أيضاً
الأهل يتحملون جزء من المسؤولية.. فهم وبسبب إنشغالهم بتأمين الأساسيات ينسون أو يتجاهلون واقع أنهم لم يزرعوا حب المطالعة في نفوس أولادهم لأنهم هم أنفسهم لا يملكون الوقت للمطالعة. في المقابل المكتبة المنزلية لم يعد لها أي وجود، وهذا أمر لعله يرتبط بأن الوضع الإقتصادي صعب والإنفاق على الكتب قد يبدو «رفاهية» غير ضرورية خصوصاً وأن أسعار الكتب مرتفع. في الواقع وكي لا نظلم الأهل نجدهم عادة خلال مرحلة الطفولة يحرصون على شراء القصص لأطفالهم ولكن ومع تزايد الأعباء ودخول الطفل الى المدرسة يتم التوقف عن ذلك. وهنا يتم إفساح المجال لتطور علاقة الكراهية مع الكتب بسبب الأنظمة التربوية والتي تحدثنا عنها سابقاً، من دون أي تدخل يذكر من الأهل.