تعرف علي خبرات ومؤهلات قيادية للملك عبدالله الثاني شخصية مجلة «الرجل» قبل توليه الحكم
شاءت الظروف أن يتخلص عبدالله، وهو في الثالثة من عمره، من الاضواء وعبء القواعد الصارمة للطريق المؤدية إلى جلوسه على العرش، فقد نزع الملك حسين لقب ولي العهد عنه عام 1965، وسمّى شقيقه الأمير حسن بن طلال ولياً للعهد. يقول الملك عبد الله واصفاً الاجراء الذي قام به والده آنذاك بأنه "كان من أفضل ما فعله لي على الإطلاق"، لكنه يستطرد "لأنه أتاح لي أن أعيش حياة عادية نسبياً". في الحقيقة تدرك انك امام ملك لا يريد لملكيته ان تتحول أقفاصاً وأسواراً باردة تحول بينه وبين الحياة.
رغم نزع صفة ولي العهد عنه، فإن الشاب عبدالله عرف مبكراً بأنه لا مفرّ من تأدية الدور الموكل إليه بجدارة واقتدار، فهو سليل بني هاشم، العائلة التي تمتد في نسبها الى الرسول (ص)، ولطالما لعبت أدواراً سياسية وعسكرية قيادية في التاريخ الاسلامي، وحديثاً في تشكيل الشرق الاوسط في النصف الاول من القرن الماضي.
مؤهلات قيادية
سعى عبدالله، بلا كلل، وبتشجيع من والده الملك حسين، لامتلاك خبرات نوعية تجمع بين تعليمه المدني والعسكري، وتؤهله للعب دور قيادي، فتنقل بين الولايات المتحدة الامريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، مكتسباً خبرات عملية ونظرية متنوعة.
درس الثانوية في مدرسة أدموند في المملكة المتّحدة، ثمّ انتقل إلى مدرسة أيجلبروك وأكاديمية ديرفيلد في الولايات المتّحدة.
ثم تغير المسار فجأة، باتجاه تمكينه من العلوم والمعارف العسكرية، فبدأ تدريبه في أكاديميّة ساند هيرست العسكريّة الملكيّة في المملكة المتّحدة عام 1980، وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ عام 1981، وبعدها عُيّن قائد سريّة في فرقة (الخيّالة) الملكيّة البريطانيّة.
لكن هذا لم يكن على حساب العلوم الانسانية، حيث انضم عام 1982 الى طلاب جامعة أوكسفورد، لينهي برنامج الدّراسات الخاصّة في شؤون الشّرق الأوسط.
ليعود للانضمام الى القوّات المسلّحة الأردنيّة برتبة ملازم أوّل قائد فصيل، ومساعد قائد سريّة في اللّواء المدرّع الأربعين. وفي عام 1986 يشغل منصب قائد لسريّة دبّابات في اللّواء المدرّع 91 برتبة نقيب، ثم لينتقل الى جناح الطّائرات العموديّة المضادّة للدبّابات في سلاح الجو الملكي الأردني؛ كان واضحاً انه يراد له اختبار مختلف القطاعات العسكرية.
ثم من جديد الى الدراسة الجامعية، فالتحق عام 1987 بجامعة جورج تاون في واشنطن، وأنهى برنامج بحث ودراسة متقدّمة في الشؤون الدّوليّة.
بعدها غادر ترف أروقة ومدرجات الجامعات في الغرب، ليتدرج بمراتب ومواقع عسكريّة مختلفة ضمن القوّات المسلّحة الأردنيّة، منها، قيادة القوّات الخاصّة الملكيّة، وقيادة العمليّات الخاصّة، وقائد كتيبة الدّبابات الملكيّة، وغيرها من المواقع العسكرية المهمة، حتى اصبح برتبة عقيد في قيادة اللّواء المدرّع الأربعين، ثم مساعداً لقائد القوّات الخاصة الأردنيّة برتبة عميد ، ثمّ قائداً لها عام 1994 برتبة لواء .
وسرعان ما بدأت تتكشف خبراته ومؤهلاته العسكرية، عبر اشتغاله على إعادة تنظيم القوات المسلحة الاردنية وفقاً لأحدث المعايير العسكرية الدولية.
مكث في الجيش، الى أن اقتربت اللحظة الفاصلة، حيث أعاد الملك حسين ولاية العهد الى ابنه عبدالله، وهو مطمئن إلى امكاناته وتأهيله ونضج توقيت قراره، وبعد اسبوعين توفي الحسين وتسلم الابن الشاب عبدالله (كان في 37 من عمره) دفة القيادة، ليكمل الطريق، وعلى أساس سلطاته الدستورية أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويحمل الآن رتبة مشير في الجيش الأردني وسلاح الجو الملكي الأردني.
اعتلى عرش المملكة الأردنية الهاشمية في 7 شباط 1999، بعد وفاة والده الملك الحسين، وجرى تنصيبه في 9 حزيران من العام نفسه، فيما يعرف بيوم الجلوس الملكي.
أولويات ملك الأردن بعد توليه الحكم
وفيما يبدو واضحاً دائماً في كلام الملك الأردني الذي يحل ضيفاً على غلاف مجلة الرجل، أن أولى أولوياته للشباب الأردني والإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة معهم دون أي تشويش، ويؤكد أن الشباب هم من سيعيش ومن سيجني عوائد العملية التنموية التي يمر بها الأردن، ويقول: "نأمل ونعمل لتكون مخرجاتها إيجابية، أنتم مطالبون بأن تكونوا على قدر هذه المسؤولية".
ويبلغ عدد الشبان والشابات في الأردن بين 15 و29 عاماً 2.72 مليون، ويشكلون ما نسبته 28.5% من مجموع السكان البالغ 9.559 ملايين نسمة منهم 1.25 مليون شابة.
ويرى العاهل الأردني أنه لا يجوز "أن يكون الشباب مسلوب الرأي، أو عديم الاكتراث بالتطورات المختلفة من حوله، أو عديم الوعي بخطورة التحديات الإقليمية التي تحيط بنا، كما لا نريد للشباب أن يكون محصور الأفق الاقتصادي، أو متمنعاً عن المبادرة والبذل والعطاء والعمل".
ويركز العدد الجديد من المجلة على قضايا راهنة يبدو الأردن، شاء أم أبى، جزءاً منها، وعلى رأسها فوضى ما يعرف بالربيع العربي، وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين إليه وسط ضائقة مالية تعيشها البلاد.
ويذكر العاهل الإردني في كل مناسبة بضرورة حماية ودعم الطبقة الوسطى في المجتمع الأردني، معتبراً أنها ضمان ووجاء للنسيج الاجتماعي المتماسك في البلاد، ويؤكد ضرورة تبني حكومة بلاده إجراءات من شأنها حماية الطبقة الوسطى والفقراء، والعمل على تحسين الظروف الاقتصادية ليشعر بها المواطن، إلى جانب ضرورة توجيه الدعم للمواطنين، في ظل وجود الملايين من الأجانب في المملكة، مشدداً على أن حماية المواطن الأردني هي الأساس.
ولا يوارب الملك في اعتبار أن كلاً في موقعه "مطالب بالتغيير والإصلاح الذي يعزز قيم الانتماء للأردن وشعبه؛ لأن الإصلاح هو رغبة الفرد قبل أن يصبح مزاج المجتمع، وهو سنة الحياة المتلهفة إلى الإنجاز والتغيير الإيجابي".
ويلفت الملك عبدالله الثاني إلى أن جذور الأزمة المالية في المملكة تعود إلى وضع المنطقة خلال السنوات الماضية ويقول: "كان لانقطاع الغاز المصري والأزمات في الدول المجاورة، التي أدت إلى زيادة عدد السكان بنسبة 20 بالمائة، وعدم تقديم الدعم اللازم من قبل المجتمع الدولي، إضافة إلى إغلاق الحدود مع الشركاء التجاريين الرئيسيين للأردن، الأثر الأكبر في اقتصادنا"، ويضيف "إن العالم مقصر معنا، فاللاجئون يستنزفون ربع موازنة الدولة سنوياً، ولا توجد دولة في العالم تنفق ربع موازنتها كما يفعل الأردن".
ويعاني الأردن ضغوطاً اقتصادية ذات أبعاد متعددة على رأسها شح الموارد وتدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين والعراقيين إلى أراضيه خلال العقد الماضي، في ظل ما يعتبره خذلاناً أممياً للمملكة فيما يتعلق بالالتزام بالدعم المالي لتغطية احتياجات اللاجئين.
إلى ذلك يتوقف العدد عند الفكر السياسي للملك عبدالله الثاني ونظرته إلى العديد من القضايا الملتهبة في الإقليم والعالم سياسياً واقتصادياً، إلى جانب تصوراته وقراءته لما تحمله الأيام القادمة من تداعيات واستحقاقات ترسمها ملامح أحداث اليوم.
بالإضافة إلى ذلك تبدو شخصية الملك عبدالله الثاني حافلة بالنشاطات والجوانب الإنسانية بالرغم من اكتظاظ أجندته اليومية بالتزامات البلاد وشؤونها، فتراه لا يغفل حصة العائلة من وقته الثمين، ولا ينسى عشقه لبعض الهوايات مثل ركوب الدراجة النارية، بالإضافة إلى حضور العديد من الفعاليات الأهلية، وكل ذلك لم يَحُلْ دون نزول الملك في جولات تفقدية ميدانية إلى الشركات والمؤسسات الحكومية في البلاد للاطلاع على سير العمل فيها، ولعل من أبرز القصص التي تسجل له تنكره بزي رجل عجوز للإشراف على سير الخدمات في إحدى المؤسسات.