مطوف الرؤساء يتحث للرجل 3
* يشتهر أهل مكة بمهنة الطوافه والسقاية والرفادة لحجّاج بيت الله الحرام، هل لعائلتكم إرث في هذه المهن؟
العائلة لم يكن لها مجال في مقام شرف هذه المهنة، ولكن أنا عشقتها عندما كنت أدرس في الحرم، فقلبي انشرح لها، عندما شاهدت من هم في سني يطوّفون، ومن تلك اللحظة اتخذت القرار أن أخوض هذه المهنة، ومنّ الله عليّ بها، إذ إنني كنت عندما أطوّف مجموعة أشتاق إلى مجموعة أخرى، وأحسست بالراحة الكبيرة ولله الحمد.
* كيف يميّز القادم للمسجد الحرام المطوّف ويختاره ؟
المطوّف كان يلبس في الماضي الجبة السوداء والعمة البيضاء، واختيار هذا اللبس له قصة، حيث إن ثوب الكعبة أسود والعمة البيضاء تعطي علامة نور المكان.
* كيف يتم ترديد الدعاء الذي تقوله، على الرغم من اختلاف الجنسيات والمذاهب؟
أتقن لهجات الكثير من الدول، فالمصريون مثلاً لهم لهجة في الدعاء، والمغرب العربي له لهجة، والإفريقون كذلك، والخليجيون أيضاً. وبفضل الله أصبحت أميّز خاصة من الدول الإفريقية، وأعرف الجنسيات بحكم الاحتكاك.
* التحقت كذلك برفع الأذان في المسجد الحرام، كيف بدأت في ذالك ؟
لهذا الأمر قصة؛ كان لوزير الحجّ حسين عرب، وهو أول وزير للحج، زيارة لدى شخص في حيّ المصافي إلى جوار الحرم، وكنت أأذن في المسجد، وأعجب الوزير بصوتي، وطلبني للاذان في المسجد الحرام، وكنت ادعو الله أن يكرمني بالاذان في الحرم، وتقدمت إلى شيخ المؤذنين، الذي كان في ذلك الوقت الشيخ يعقوب شاكر، وكنا نؤذن في المنارة، حيث كان الميكرفون في الأسفل، وكان في الحرم سبع منارات، وكانت أكبر منارة 361 درجة، وكنت أصعدها وأقوم بالأذان، لأجدهم يرحّبون بصوتي ويسعدون بي عندما كنت أصعد المنارة بسرعة. لي شرف عظيم أن أصبحت مؤذناً في الحرم وقضيت في الأذان 38 عاماً، وكنت أتقاضى 40 ريالاً، في ذلك الوقت وتمّ اختياري في باب الوداع أقوم بتنزيل البيرق والمدافع أمامي، فأقوم، بإعطاء إشارة للجندي الذي يعمل على المدفع، تفيد بأن وقت المغرب دخل، حتى يطلق المدفع، ولا يستطيع أن يطلق المدفع حتى أقول الله أكبر، ويتم إطلاق المدفع ويبدأ الإفطار.
* يفد إلى الحرم ضيوف من كل العالم، كيف تستطيع التحدث إليهم ؟
أتحدث تسع لغات بطلاقة، وتعلمتها من خلال الاحتكاك مع الضيوف القادمين إلى الحرم، وكنت أحرص على أن أتعلم وأقف إلى جانب مَن يتحدثون من الزائرين. والدافع الكبير لتعلمي هذه اللغات، أن الشخص الذي يوكل لي مهمته أن أؤديها بأمانة، وبما يرضي الله سبحانه وتعالى، فعندما يسمع مني مثلاً "اللهم يا رب البيت "، لا بدّ أن يفهمها وليس ترديدها فقط،
* بعد هذا المشوار المشرّف في مهنة الطوافة، هل تذكر عدد الزعماء الذين طفت بهم ؟
لا أستطيع أن أحصيهم، فعددهم كبير، وهناك ثلاثة أشخاص يعملون في الحياة لا يستطيعون معرفة كم عدد مَن مرّ عليهم؛ فالمعلم لا يستطيع أن يحصي عدد طلابه الذين علمهم، والطبيب لا يستطيع إحصاء عدد مَن عالجهم، والمطوّف لا يعرف الأعداد الذين طوّفهم، ولكن بحمد الله مازلت أذكر أسماء كثير منهم.
* بين الامس واليوم بذلت السعودية جهوداً كبيرة في تطوير الحرمين الشريفين، هل لك أن تصف لنا الحرم في ذالك الوقت ؟
كان السعي في المسعى منذ نحو 65 عاماً، يتم باستخدام بالسيارات، حيث كان العدد قليلاً، وكان الطواف خلال فترة الصيف حاراً. وجاء تعميم في ذلك الوقت من شيخ المطوّفين أنه لا يتم تطويف الضيوف الذين يأتون من البلدان الباردة، خلال فترة الظهيرة، ويتمّ تطويف الضيوف الذين يأتون من الدول الحارة. وكانت البلدية في ذالك الوقت تقوم بمهمة رشّ المسعى بالماء، وعندما نشاهد رشّ المسعى ثلاث مرات كانت إشارة إلى أن هناك رئيس دولة قادم.
* هل يطلب منك دعاء معيّن لرئيس الدولة الذي يطوف خلفك ؟
ندعو لكل ضيف حسب الظروف التى تعيشها دولته، ونلامس في الدعاء حاجة البلد وأدعية الطوافة للملوك والرؤساء؛ هذا يتوقف على ظروف كل بلد، فهناك بلد فيه جفاف وبلد آخر فيه مشكلات، فكنا نقيم الضيف وفقاً لظروف كل واحد على حدة، وهو ما يسمّى بالفراسة. وكان الله ينير بصيرتنا، لأن هذا قائد دولة وتصلح الأمة به، وكل شيء ينهار ويسقط، عندما ينظر إلى عظمة الكعبة وهيبتها، وتذرف دموعهم، وفي بيت الله الحرام لا يوجد مفاضلات إلا بالخير الذي يخصّك به الله سبحانه وتعالى. وبعض الضيوف يطلب مني بحكم الخبرة أن أحدد الوقت المناسب للطواف والسعي، وبعض الرؤساء يطلبون عدم وجود حراسات معهم أثناء الطواف والسعي، لأنهم لا يدخلون هذا المكان من ناحية مناصبهم، ولأنهم يريدون أن يختلطوا مع الناس ويدعوا معهم، ولكن الدولة، حفظها الله، توفر لهم الحراسات اللازمة من باب الاحتياط، فنحن نحرص بقدر الإمكان أن نتلافى مزاحمة الناس.
* هل تتذكرأول مبلغ حصلت عليه من مهنة الطوافه ؟
حصلت على ريال واحد، من الإمام أحمد ملك اليمن، وبعد أن سعيت وتعبت أعطاني أربعة ريالات.
طفت بجميع رؤساء مصر واخرهم السيسي
آخر ضيف كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. والحمدلله طفت بجميع روساء دولة مصر تقريباً. والوقت الذي نقضيه في الطواف والسعي، يتوقف على الزحام، فإذا لم يكن المكان مزدحماً، فإن الوقت يستغرق نحو 40 دقيقة، وفي حالة وجود زحام، قد يصل إلى نحو ساعتين.
* ختاماً؛ هل تحتاج مهنة الطوافة إلى صفات خاصة؟
ينبغي لمن يمتهن هذه المهنة أن يلم بالأمور الفقهية والشرعية واللغوية، وأن يكون مظهره يتناسب مع هذه المهنة، فهو سيمثل هذه البلاد لأداء هذه المهنة، فالموضوع لا يقتصر على التطويف والدعاء فقط، بل يمتد إلى الثقافة العامة، والسؤال من قبل الضيوف عن بعض الأماكن الفاضلة في الحرم، خاصة، ومكة المكرمة عمومًا، فينبغي للمطوّف أن يتحلى بكثير من الأمور التي تجعل الضيف يعود بانطباع جيّد عمن يمتهن هذه المهنة. كما ينبغي أن يكون المطوّف ملمّاً باللهجات واللغات، وذلك لإيصال المعلومة لمن يرغبها في أحسن صورة.