مطوف الرؤساء يتحدث للرجل1
* كيف عملت في المسجد الحرام؟ وما أول وظيفه لك ؟
كان هناك إدارة اسمها إدارة الحرم، تقدمت بطلب للعمل فيها، وكان يشرف عليها شخص من بيت نائب الحرم، وقال لي لدينا وظيفه اسمها "لمّ ريش الحمام وتفطيره"؛ أما هذه الوظيفة، فهي أن حدود الحرم كانت في ذلك، الرواق العثماني، وكان الحمام يقف على الرواق وبين جنبات المسجد الحرام، ومهمتي هي لمّ الريش في جميع أنحاء المسجد الحرام، بشكل يومي، ووضعها في أكياس، ثم يتم اتلاف الريش حتى لايؤذي المصلين والطائفين. وبعد صلاة الفجر أقوم بوضع الحبّ للحمام، ويسمّى "تفطير الحمام". أمضيت فيها عامين وكنت اتقاضى 22 ريالاً من الفضة. وبعدها عملت زمزمياً لمدة سبع سنوات، وبعد ذلك التحقت بالمعهد العلمي، وتخرجت فيه معلماً.
* وما مسمّى وظيفتك الحالية؟ وكيف تكون عملية اختيار المطوّف؟
بالنسبة لعملي الوظيفي والمسمّى الرسمي، هو «مطوّف وفود رسمية»؛ إذ إن هناك مسمّيين في هذا الصدد: مطوّف عام ومطوف رسمي، والله يعلم حيث يجعل رسالته، فقد أنعم الله عليّ بأن تشرفت وكلفت أن أكون مطوفاً رسمياً لضيوف الدولة. وكانت تتمّ عملية التأهيل للمطوفين، بأن نذهب إلى شيخ المطوفين لطلب رخصة العمل مطوّفاً للحجّاج فيرسلوننا إلى مشايخ الحرم الكبار، فنعمل في البدء مستجدين أهلوا أنفسهم بأنفسهم للشيخ عباس عبدالجبار، ليختبرنا في اللغة ثم المناسك ثم الواجبات والسنة النبوية؛ ولكن هناك شيء أكثر أهمية، هو أنه قبل كل تلك الخطوات، كانوا يعلموننا أدب التعامل مع الحجّاج والزوار القادمين إلى مكة، ويؤكدون لنا ذلك كثيراً، لكي لا تختلف الصورة الذهنية عند هؤلاء القادمين والمخزنة في ذاكرتهم ووجدانهم عن لطف أهل مكة وسماحتهم.
من هنا بدا عملي كمطوف..
بدأت في عام 1368 للهجرة، وكنت في البداية أطوّف حجاجاً عاديين، ثم كرّمني الله وبثقة المسؤولين بدأت أطوّف الملوك والرؤساء.
كنت بدأت أطوّف في بداية مهنتي عامة الناس، إذ إنني كنت أقف عند باب السلام، قبل التوسعة ويراني الضيف، ويقول: أريد أن أطوف مع هذا الشاب الصغير. وهنا أسرد قصتي مع الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، وهو كفيف، وكانت ابنته برفقته، ووقف كثير من المطوفين يرغبون في تطويفه، إلا أن ابنته قالت له: هناك صبيّ صغير سنطوف معه، فعند اختياري ودخوله الحرم، همّ أن يصلي ركعتين، وهنا لا أقصد أنه كان لا يعلم، ولكن ربما نسي، فهمست في أذنه وقلت له: يا معالي الدكتور لكل مسجد تحية، وتحية المسجد الحرام الطواف للمعتمر، فوضع يده على كتفي، وهذه الحركة لا أنساها وكأنها شهادة عليا حصلت عليها من شخصية كبيرة.
* هل تتذكر أول زعيم من ضيوف الدوله قمت بتطويفه ؟
أول زعيم قمت بتطويفه في البيت الحرام، كان الملك طلال ملك الأردن، والد الملك حسين رحمهما الله، إلى أن طوّفت حفيده الملك الحالي عبدالله الثاني كثيراً. كان ذلك في عام 1371هـ. ثم كان التالي الرئيس السوري يومها أديب الشيشكلي في عام 1372هـ. ومن بعد ذلك كثر، والرؤساء المصريون بدءاً من محمد نجيب، ثم جمال عبدالناصر الذي جاء مرتين، طوفته فيهما. وأنور السادات، والرئيس محمد حسني مبارك، والرئيس الباكستاني ضياء الحق، منذ أن كان رئيس أركان الجيش، وكان لي معه الكثير من الحكايا. ومن قبله رؤساء باكستان منذ أولهم محمد أيوب خان، ويحيى خان، وذو الفقار علي بوتو. وكل حكام العالم الإسلامي.
طوّفت كذلك أول رئيس لمصر محمد نجيب، وكان ذلك في الحجّ، وطلب إليّ أن أرافقه في عرفات ومزدلفة ومنى، وكنت ألبي ويردّد خلفي التلبية، وبعد فريضة الحج دعاني إلى زيارة مصر، فاستأذنت والدي للسفر لتلبية الدعوة، وكانت فخراً واعتزازاً لي؛ وكانت الدعوة والشرف من المكان الذي أنا فيه، بيت الله الحرام. ثم طوّفت كذلك الرئيس جمال عبد الناصر وحججت معه في عام 1374هـ. وكذلك طلب إليّ أن أحجّ معه في ذلك الحين. وفي العام نفسه جاء الرئيس الباكستاني غلام محمد، لأداء نسك العمرة في شهر رجب. كما طوّفت الرئيسين محمد السادات وحسني مبارك. وقبل أيام طفت برئيس مصر الجديد عبدالفتاح السيسي. وطوّفت رئيس وزراء نيجيريا الشمالية الذي مَنّ الله عليه وشرح صدره للإسلام، وكان من الدعاة للإسلام بعد ذلك، حيث أسلم على يده مليون و400 ألف شخص في شمال نيجيريا وغربها، إذ إنني عندما كنت برفقته كنت أقوم بتطويفه من عام 1381 للهجرة، ثم تعجّب عندما وجدني أتحدث لغته، فسُرّ بذلك، وكنت أترجم له بعض الأدعية وأسماء المواقع في المسجد الحرام. ومن الأمراء الأمير تركي بن عبد العزيز. أما الملك سعود فكنت أعدّ الأشواط له وكان يعطيني ما يسمّى "شرهة". وعاصرت الملك عبد العزيز والحمد الله، وكنت أطوف معه، وإذا كان معه أحد من المطوفين فأنا أطوف خلفه. وكان لي شرف أن أطوف مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مرتين، وقت أن كان ولياً للعهد. وطوّفت رؤساء دول الخليج، وكذلك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يرحمه الله، فقد أكرمني الله في هذه المهنة أن طوّفت الكثير، بل أستطيع القول كل حكام العالم الإسلامي وزعاماته، وكنت أراهم على حقيقتهم الإنسانية بشراً بسطاء أمام الله وأمام الموقف الذي هم فيه في بيت الله الحرام؛ في هذا الموقف الجميع يشعرون بحجمهم الحقيقي، أمام مالك الملك جلت قدرته.
مواقف لا تنسى..
خلال عملي في هذه المهنه الشريفة، كنت أحتسب الاجر من الله، ولم يكن هدفي الضوء والشهرة، وجمع المال. ولكن تجد في بعض الاحيان مواقف لاتنسى، ومنها مع الرئيس الباكستاني ضياء الحق إذ إنه في عمرته في 1391هـ، بعد أن رافقته مطوّفاً طلب أن يزور الأماكن ذات العلاقة بظهور الإسلام، فرافقته إلى غار حراء الذي صعدناه مع مرافقين له ومرافقين من الخارجية والأمن لدينا، كان مجموعنا 87 شخصاً صعدنا غار حراء، حيث كان المصطفى سيّد البشر عليه الصلاة والسلام يتعبّد؛ التفت إليّ ومعنا من كل ذلك العدد 14 رجلاً فقط من صحبه، وقال لي "إذا جئتني إلى باكستان، فسأعيّنك جنرالاً عليهم". بعد ذلك اتجهنا إلى غار ثور، فذهبنا إلى حيّ الهجرة في أطراف مكة المكرمة، وطلب مني يومها أن أشرح له بعض تفاصيل الهجرة، ففعلت. وتحدثنا عن بداية ظهور الإسلام. ثم ذهبنا إلى موقع مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي في مكانه اليوم مكتبة الحرم. وبعد سنوات وفي عام 1402 هـ، ذهبت إليه، وهناك استُقبلت رسمياً، وأرادوا أخذي إلى مقرّ الضيافة الرسمية، فأوقفهم ضياء الحق، وقال: هذا ضيفي وفي ضيافتي الشخصية؛ إنه أتى من مكة لينزل في بيتي. وهذا ما تم بالفعل ونزلت ضيفاً في بيت الرئيس.
موقف طريف
كونك ترافق رئيس دولة، فهذا يتطلب درجة عالية من الحساسية، وملاحظة الموقف الذي أنت فيه، ولكن أحياناً بعض الرؤساء يوجهون أسئلة عن الطوافة ومدة عملي بها. وأذكر أن مسؤولاً من دولة إفريقية، وكان بديناً، وكنا في فصل الصيف، وعندما انتهينا من الطواف وبدأنا في السعي، فوجئت به عند الشوط الثاني يسألني: هل انتهينا من السعي؟ فقلت له لا باقي خمسة أشواط، وكان وقت صلاة التراويح قد اقترب، فطلب إليّ التوقف، وقال: كفاية، وإن شاء الله المرة القادمة نكمل الأشواط الخمسة. حاولت أن أقنعه بضرورة إكمال الأشواط، وعرضت عليه إحضار عربة لتكملة الأشواط، لكن للأسف لم نجد عربة على مقاسه، وللأسف لم يكمل الأشواط، وقال إنه سوف يضحّي عنها..تابع القراءة